التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر, ٢٠٢٢

حديث ذات ١٠

 أُحب الپيانو .. كانت أول الآلات التي عزفتُ عليها، وكانت أجمَّل هدايا أُمي لي يوماً ما، حاولتُ أن أتعلم العزفُ على أي آلة أخرى، ولكن ظل الپيانو هو أحب الآلات إلى قلبي .. ربمَّا لإنسياب أصابعي؛ وتنقُلها بين أسوَّده وأبيضه وكأني أطير .. يُذكرني الپيانو بالبشر منهُم الطيبون والأشرار؛ يتجاورون، يتعاملون، ويتشاركون الحياة، ويعزفون معا لحنها؛ فتتناغم وتصير متوازنة؛ فتُطرب لها آذاننا، وتُهز لها رُؤوسنا إعجاباً، رغم الألم أحياناً .. علمني الپيانو .. أن أرضى بالتعامل مع الأسود، أقصد الأشرار، وأن أعزف على قلوب البشر بالكلمَّات والألحان، كلمَّاتٌ مُحبة وألحان مَّحبة، أعزف لهم، ولا أعزف عنهم! العزُوف عنهم لن يأتي بألحانٍ شجية، لنْ تُفرحني، لن تُبكيني، ولن تُعلمني كيف تكون الحياة .. لن تُثمر بتجارب وتعاليم، رُبمَّا يُعصمني من الألم، ولكن سأتحول لكائن شمعي، لا عقل فيه ولا رُوح، لا ذكرى ولا ماضي، ومن لا ماضي له ليس له حاضر، وليس له قلب يدق حتى لو ألمَّاً، فالقليلُ من الألم حياة .. بورسعيد | ٣١ أكتوبر ٢٠٢١ 

تختيم عام ٢٠٢٠

كان عاما رحيماً، لا أستطيع أن أصفه بأنه كان مُؤلما أو ثقيلاً كالعام الذي قبله مثلاً، أو أنه كان مُنصفا معي مثل ما كنت أتمنى .. كان حيادياً وهذا ما ميزه، لا قاسياً ولا حنوناً، لا ضدي ولا معي، خرجتُ منه غير خاسرة وهذا ألطف ما فيه .. أصبحتُ لا أبحث عن الحقائق، عن الأسرار، عن الحلول، كل ما أبحث عنه دوماً وأبداً سلامي الداخلي، والحفاظ على مبادئي .. يقول ‏ديفيد هاوكينز: يعتبر شعور السلام الداخلي قوة عظيمة؛ والشخص في هذه المرحلة لا يمكن تخويفه أو برمجته أو التحكم فيه أو التلاعب به.  وأكمل مقولته بقلمي؛ لن تجد للباحث عن السلام الداخلي فرصة لتلوي رقبته منها؛ هو حر تماما محلقا في سماه؛ ليس عابئا للحروب التي شنت حوله؛ ولو كانت ضده ..  يحدُث أن نُختبر في أخلاقنا، في مشاعرنا، في تلك المبادئ التي نُحاول أن نقبضُ عليها بين فكيينا، ونحاول أن لا تفلِت من بين أصابعنا في زحام يومنا .. الحياة قاسية وتزداد قسوة يوماً من بعد يوم، والعلاقات الإنسانية أصبحت أكثر تعقيداً وغرابة، ونحنُ دائمَّاً نُزيد من صُعوبتها على أنفُسنا، تحت شعار "بل أنا الأقوى". وجميعنا نضغط بقوة، بلا رحمَّة، على الأقل، فالأقل، ف

تختيم سنة ٢٠٢٢

 ينتهي ديسمپر ويلملم أيامه المتبقية؛ سائلا كيف كان يبدو لك هذا العام؟ بالنسبة لي؛ كان عاما مليئا بالمواجهات الصادمة؛ وأحاديث الذات؛ التي كانت تبث في روحي هدوءا؛ عام الكشف لما مضى والتفريغ لكل ما حصلته من تجارب مؤلمة وسعيدة؛ والترتيب للأولويات .. في لحظة تأمل كنت أفكر هل تنحصر فترة التربية والتهذيب في فترة الطفولة وحسب! لأدرك مع الوقت أن التربية ليست مهمة الأب والأم وحدهما؛ ولا البيئة ولا القواعد المجتمعية؛ تبدأ التربية وتنتهي من الله وعنده .. تشاكسني زميلة أرادت أن تكسر صمتي الملحوظ؛ فقالت ربنا بيبتلي بس اللي بيحبهم! أجبتها: بأن ابتلاء ربنا تربية لنا؛ واختصرت القول بقناعة شخصية بسيطة (ربنا اسمه ربنا علشان بيربينا).  نظرت لي نظرة استنكار؛ وقالت لا الجملة دي ماينفعش تقوليها! ضحكت وأوضحت لها؛ أن كواليس حياة كل الأنبياء والرسل كانت تملؤها الإبتلاءات والشدائد ليصنعهم الله بطريقته الرحيمة ويعدهم لمهمتهم النبيلة؛ كذلك باقي البشر بدرجاتهم المتفاوتة في الفهم والإدراك والتبصرة والصبر وقوة التحمل وقوتهم البدنية كذلك؛ يمنحهم الله ما يطيقونه حتى يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان - الإيمان - الوعي .. لطالم

الحقيبة ١

أحب الحقائب؛ حقيبة اليد؛ والكتف؛ وحقائب السفر؛ وأدوات التجميل .. عوالم متحركة؛ تحمل أسرارا لن يعرفها أحد عني حتى المقربين .. من وقت لآخر أبدل حقيبة بأخرى لتلائم المناسبة وتليق بألواني وحالتي المزاجية.  ثم أبدل ما بداخلها من محتويات وربما أفرغها تماماً وأجعلها خاوية ك قلبي .. لكن يبقى دائماً مسكن الآلام مستقر في قاع حقيبتي يرفض الخروج للنور .. وكأنه يعلم أنني خلال ساعات؛ سأقذف يدي في قلب الحقيبة لتتجول دون النظر في ظلامها؛ ثم أتحسس كراكيبها لأخرج المسكن. اليوم روحي كانت تؤلمني؛ مددت يدي في قاع الظلام لأبحث عن المسكن؛ ثم أخرجت حبه؛ وتناولت بعض الماء؛ شعرت بملح دموعي يهبط إلى معدتي؛ انتظرت أن تنتصر الحبه على الآلامي؛ لكن ..! اليوم خذلني المسكن؛ اليوم روحي كانت تؤلمني ..    هنا القاهرة  ٢٠ ديسمپر ٢٠٢٢

حديث ذات ٨

أقرأ منشورات العام الماضي وأبتسم نصف ابتسامة؛ وفي عيوني دمعة؛ وفي حلقي مرارة .. رؤيتي لم تتغير إلى حد كبير؛ لكن صدى ضحكات الأصدقاء اللذين كانوا هنا بالأمس؛ وضحكات من أحب؛ تعليقاتهم التي كانت تحمل معنى مبطن لا يدرك معناه كلانا .. روابط الأغنيات المفضلة لي ولهم؛ وصورا تجمعنا في أماكن محببة للقلب؛ ونصوص قصيرة كتبتها وأنا في حالة عشق وفراق .. وصديقة كان مقامها من القلب؛ القلب كله؛ تركت لي ذكريات بيضاء كسحابة ربيعية؛ تمر ببطء على قلبي فتقبض قلبي مرة ومرات تجعلني أتنفس .. عاما يجعل الإنسان يتبدل ويتغير ويبعد عن حاله أميال؛ ويظل يكابد حتى تنقطع أنفاسه؛ ويأتي عاما بعده يقذفه إلى بر الأمان؛ وعلى كتفه "شوال" الذكريات .. بورسعيد | أغسطس ٢٠٢١

حديث ذات ٧

أحاول أن أترك نفسي للنوم؛ جفوني ترفض أن تستسلم؛ وعقلي يكرر المشاهد اليومية؛ وقلبي يبوخني ويذكرني بأنه أصبح لا يطيق السهر .. بينما جسدي متراخ؛ يريد أن يسقط حتى الصباح؛ ويظل ساكنا دون حراك؛ أظل في هذه المعركة بعض دقائق؛ ثم أنظر لضوء المطبخ الذي مد خيطه إلى حجرتي وأبتسم؛ كأنه أراد أن ينبهني بأن الحل عنده؛ أقوم من فراشي وأترجل للمطبخ بكسل؛ لأبحث عن حيلة طيبة لفض هذه المعركة دون خسائر .. أريد أن أنام؛ وأن ينام كلي معي؛ لا أريد خسائر أو هزيمة لبعض مني على بعضي الآخر .. سأعد خليط من الأعشاب المهدئة وسأتركها تمتزج على نار هادئة؛ وسأكشف غطاء الأبريق ليترك رائحة العشب تذوب في صدري ربما يهدأ .. منذ فترة وأنا شغوفة بالأعشاب؛ يأخذني الفضول مرة للبحث عن حل لمشكلة صحية لأجد أن الدواء متاحا في أرفف العطارين منذ زمن .. جربت أكثر من مرة في أكثر من علة؛ ونجحت التجربة؛ وتجربة الليلة أثق أنها ستنجح؛ فرائحة الأعشاب فعلت فعلتها السحرية؛ وعيوني بدأت تستسلم . بعد دقائق معدودة سأنام؛ وغدا سأبحث عن خلطة سريعة لعلاج أوجاع القلب .. بورسعيد | أغسطس ٢٠٢١ 

حديث ذات ٦

انتقلت صديقتي لمسكن جديد بحي راق؛ ثم طلبت مني أن أزورها في القريب العاجل؛ تلح علي بزيارتها قبل أن يأتيها أحد لرؤية منزلها الجديد؛ لأنها تود أن أكون أول الزائرين .. إستجبت لإلحاحها الطفولي؛ وأرسلت لي العنوان وإتفقنا على موعد محدد ومناسب بحيث أن لا يكون زوجها في المنزل .. أنا لا أفضل زيارة صديقاتي وأزواجهن في الدار؛ وهن يعلمن عني هذا .. توجهت للعنوان المحدد وأنا أشعر بالكسل؛ العنوان بعيد - بعيد جدا - كنت جالسة في الكرسي الخلفي من التاكسي وأنا أتأفف؛ الشوارع زحمة؛ الطقس حار- والعنوان بعيد وهي تلح بإتصالاتها كل دقيقتين؛ كدت أقذف هاتفي من النافذة .. حتى وصلت؛ وقفت أمام بناية شاهقة في حي هادئ؛ يحاوطه الأخضر من كل مكان؛ أرفع رأسي عاليا أجدها واقفة ك طفل ذاب إشتياقا من إنتظار أمه .. لوحت لها؛ ثم صعدت الدرج بهدوء؛ حتى وجدتني أمام باب منزلها وهي تقف بسعادة بالغة؛ ترتدي فستان قطني قصير؛ تاركة شعرها دون تسريح أو ترتيب؛ تجذبني بقوة إلى الداخل وتلق علي كلمات الترحيب والإشتياق .. تطلب مني أن ألقي نظرة سريعة على حجرات المنزل؛ وهي تعلم أنني لن أفعل؛ أنا أريد شيئا آخر .. أريد المطبخ  مكاني المفضل في الب

أوراق الصباح ٣

في صباح اليوم؛ وعند صعودي الدرج متوجهه إلى مكتبي؛ وقفت سيدة تبدو بسيطة الحال - ملامحها طفولية؛ ترتدي جلبابا أسود اللون؛ تلف رأسها بوشاح زيتوني يعكس لون عيونها - وجهها مُشرَبا بحمرة محببة - تستند بكل جسدها على دَرَابَزُون الدرج؛ وتنقل قدماها بثقل وكأنها أقدام فيلة؛ يعلو صوت أنفاسها تعبا وحرجا؛ وإذ فجأة - انكسرت قطعة من الدَرَابَزُون وسقطت أرضاً - نظرت لي بتوتر وقالت بصوت خفيض! أعمل ايه دلوقت قلت لها ولا يهمك هو كان مالنا وضحكت حتى ألطف من حدة توترها ولملمت المتبعثر من أجزاء الدَرَابَزُون وألقيت به جانبا؛ ثم نظرت لها وقلت صباحك حلو - كبري دماغك؛ تعرفي تكبري دماغك! نظرت لي بامتنان؛ ولم تنطق بحرف! وبعد خطوتين؛ انقطع مني الكيس الذي يحمل زجاجة الماء وفطوري؛ وفرغ تماما من محتواه؛ أصابني الفزع والعجب؛ وددت لو تشاجرت مع الكيس الذي ألقى بطعامي وشرابي أرضا؛ لكنه ممزق - أصبح باليا - هكذا بدون سبب! مددت يدي لأرفع طعامي؛ سبقتني احدى عاملات البوفية - وناولتني ما سقط مني؛ ثم ابتسمت لي وقالت ماتزعليش زعلانة ليه - صباحك حلو! بين الموقف الأول والثاني؛ بعض خطوات - بعض خطوات فقط؛ وبعد الموقفين غرقت في صمتي

عزيزتي نون ٣

عزيزتي نون.  كيف حالك؟ لقد تأخرت في الكتابة إليك؛ أذكر أخر رسالة مني إليك كانت بأحد مساءات ديسمپر ٢٠٢١ وهو معناه أنني تأخرت عاما كاملاً! ما أسرع مرور الوقت؛ وما أسخف مرور الأشخاص على قلبك! أعذري تأخري لم يكن أبداً الأمر متعمدا؛ لقد دهستني الحياة بأقدامها القاسية؛ وأنا أقاوم - أقاوم من أجلها - أنا أحب الحياة. أريد أن أعيش سنوات عديدة؛ وأريد مزيد من العمر؛ اكتشفت أنني كلما بلغت عاما زادت أحلامي وتكاثرت؛ لم يكن الأمر تكالبا على الدنيا؛ أنا أريد أن أصنع جميلا قبل رحيلي؛ أريد أن أكون من هؤلاء (الذين صنعوا الجمال) لأنني عانيت من القبح سنوات طويلة؛ قبح الأشخاص - والظروف - وقبح رؤيتي. أكتب إليك من موقع جديد غير الموقع المعتاد؛ لقد انتقلت من المدينة الحلوة الهادئة إلى القاهرة ولم أقصد أن أخبرك بمكاني أنا أقصد أن أصف لك شعوري بكلمة! أنا في القاهرة! أتنقل بين المواصلات حتى أطراف النهار؛ أراقب الركاب؛ والمشاه والباعة؛ هنا ما أكثر التسول؛ والسرقة؛ والاستغلال؛ والقسوة وشغل (حلق حوش) هنا لا أحد يبتسم في الصباح! أول مجيئي كانت مشكلتي الأولى أنه لا أحد يبتسم في الصباح؛ قلتها لاحدى صديقاتي في الهاتف و

عزيزتي نون ٢

منذ أيام وأنا أعاني من النوم المضطرب؛ تغفل عين؛ بينما الأخرى تترقب حدث ما؛ لا أعلم بالضبط ما هو؛ لكن للحقيقة؛ برودة ديسمبر تشعل في روحي لهيبا يحرق في قلبي وجلدي؛ يتصاعد رماده لعيوني؛ فتنساب دموعي بهدوء حزين .. دمعة وراء دمعة وراء دمعة؛ أنظر ل لؤلؤاتي وهي تذوب على الوسادة؛ وأتخيل أحزاني ومخاوفي وهي تذوب مثلها وكأنها لم تكن يوما؛ ثم أمد يدي لأتناول زجاجة الماء؛ "واشرب بق ماية" وأنام أستيقظ بعد ساعات الظهر؛ شعورا ثقيلا في قلبي لا أعلم سره؛ أمسكت بهاتفي الذي أصبح لاصيقا لكفي؛ حتى أتصفح بريدي الألكتروني؛ وغرف الرسائل هنا وهناك؛ وصفحتي الشخصية؛ لأجد منشورا حزينا لصديقة تبك شقيقتها التي رحلت عنها في صباحا غائما؛ وأخرى تكتب لأباها رسالة إشتياق بطعم العذاب .. تذكرت أبي بالتالي؛ ومرارة الفقد وسنوات الصبر؛ وكيف عبرتها وحدي؛ وددت لو أرسلت كفوفي من خلف الشاشة لهن؛ لأمنحن وردة وبطاقة حب مكتوب فيها .. عزيزاتي نون. هذا ما يفعله ديسمبر في جروحنا، يكشفها للبرد القارص؛ فيزيدها ألما ووهجا؛ وكأننا حديثي الألم؛ فنعود ونمارس التجاهل وإدعاء التعافي من جديد؛ لكن ندبة الفقد لا دواء لها؛ الفقد ليس له

حكاية صورة ..

في هذه الصورة سرا لا أعلمه، عندما رأيتها أول مرة غرقت في سوادها، أعاود النظر إليها بعد قليل، ربما كنت بمزاج غير جيد، فأنا متقلبة المزاج، وربما تبكيني صورة .. يعود قلقي وفضولي مع أول نظرة لها، أبحث عن سرها، ربما يسكن في قلب هذا الرجل، الذي صعب علي الأمر، هل هو شاب، أم عجوز، حزين أم سعيد، هل ينتشي من فرط جمال لحنه، أم يبك ويشهق، فيخرج بكاؤه لحنا شجيا. أنظر لتجاعيد يده، وعروقه البارزة، أرى أصابعه حزينة، متعبة، تتنقل بكسل، والناي صديق القلوب الحزينة يصبر دون ضجر، هو دائما لسانا ينطق بدلا عن من أعياه الحزن. ربما يسكن تحت قبعته، ولا يريد أن يمسك به أحد، لكن بعد انتهاء عزفه، سيرفعها كتحيه لمن أنصت له دون ملل، وسيهديه سره. أو ربما يرتدي سره هذا تحت معطفه، ليدثر به قلبه الحزين، أنا أشعر بحزنه، قلبه كسير، يرفض الحديث، هو يعلم أنه لن يفهمه أحد، يثقله البوح، مثل ما أثقله الألم .. لو كان ناظرا لي، حتما كنت علمت ما في قلبه، لكنه يبدو رجلا شرقيا، يرفض الإفصاح عن الآلامه، يخبئها تحت جلده، حتى يتعرقها عزفا .. بورسعيد | ديسمپر ٢٠١٩ 

أوراق الصباح ٢

عاملوا النهار معاملة طفل حديث الولادة؛ استبشروا به    خيرا؛ ورتبوا يومكم من أجله؛ ثم رتلوا آيات الرزق بيقين.                    بورسعيد | يونيو ٢٠٢١                       

ذاتي ما بين الشغف والعمل ٤

كانت رواية بطعم مزاجي؛ كتبت على نار هادئة، كنت أضع مقاديرها بهدوء وتروي؛ وصبر حزين، ثم أحرك معلقتي، أقصد قلمي، يمينا ويسارا بين السطور؛ حتى تتماسك؛ وتصبح شهية؛ وصالحة للتقديم أقصد النشر .. أكتب بهدوء رغم إعصار الروح، أكتب بثبات وقلبي يرقص من الألم، أمضغ الوحدة وأنا أتمدد بين صفحات كتاب لازال في قلب جهاز أصم، ولكني آستأنس به؛ لأنه عالمي الذي خلقت .. أرسم شخص وسيم، ولكنه بقلب قبيح، وأخرى مدللة بقلب حزين، وأخر بقلب نبيل وأخلاق رجل شهم، وصديقة نذلة، وسيدة أمية، طيبة، قلبها واسع، تملك من الأمومة ما يكفي أطفال العالمين؛ إلا الرحم الذي ينبض بالحياة .. وفي الخلفية يمر العمر، من وقت ذهبي؛ كانت فيه الشوارع؛ والبيوت؛ والقلوب أجمل، حتى آتى عام الثورة! وما أحدثه من تغييرات نفسية؛ واجتماعية؛ وإنسانية؛ وأيضا أخلاقية ..  أكتب ثم أزيل ما كتبته بعد شهور لأنني أتغير؛ ولأنني أتبدل؛ لا أعلم إن كان للأفضل أم لا؛ ولكنني الآن أقرب إلى نفسي! كان كل ما يشغلني أن أكتب ما أؤمن به وما أصدق، وما أحب وما لا أحب، عن كل قناعاتي التي تغيرت مع الوقت والمواقف ومع مرور الأشخاص ..  أن أدافع عن الإنسان بكل سقطاته، وأرفع عن

ذاتي ما بين الشغف والعمل ٣

كنت أعتقد أن صدور رواية باسمي أمرا سهلا وبسيطا؛ وأنني لست سوى فتاة كسولة تتحجج بوظيفتها؛ التي تأكل نصف يومها؛ وكل طاقتها الذهنية والجسدية، رغم أن من عملي وحده تولد الآلاف من القصص والروايات يوميا؛ والتي ربما تصيبني بشرارة من الإلهام؛ والتي تجعل القارئ في حالة من الدهشة التي لا تنتهي .. صباحي ممل يقتله الروتين، ويغلفه رائحة الألم والظلم؛ والتي تفوح من بين ملفات القضايا، تنتظر شهورا طويلة للبت في أمرها، يرتجي صاحبها العدل، ونرتجي نحن العاملين عليها؛ إنهاء هذه المعركة اللا انسانية، من أجل الشعور ببعض السلام فقط .. أكتب في الصباح قصص حقيقية؛ أبطالها من عالمنا هذا، أتفاجئ عند فتح بعض الملفات؛ بأسماء مرت بخاطري مرة، أو سمعتها عدة مرات، أحاول أن أعصر ذاكرتي، فتخرج الصورة واضحة عندما تكتمل؛ لأكتشف أن أحد أطراف النزاع كان زميل دراسة أو صديقة قديمة؛ أو جار في حي كنت أسكن فيه فترة كبيرة من عمري، أعود للوراء لسنوات بعيدة عندما كنا صغارا ولا ننتمي لعالم الكبار. الخصام، الفراق، الشجار، العداوة، مفردات لم نعي معناها إلا عندما صرنا كبارا .. وعندما صرنا كبارا، أصبحنا كبارا أكثر من اللازم ..  أكره وظيفت

ذاتي ما بين الشغف والعمل ٢

 لدي الكثير من القصص التي مررت بها تجعلني في حالة كتابة دائمة؛ كنني أفكر؛ إن كتبت عنها خلدتها وعاشت أكثر مني؛ وإن أهملتها سقطت مني؛ وسأفقد إرثي من الحياة! أظل غارقة في هذه الحيرة حتى تنتشلني الكتابة بأصابعها السلوفان؛ وتلق بي على أوراق بيضاء ؛رائقة كسحب الربيع، ثم أحولها بسطوري لشتاء لا ينتهي .. الحيوات التي عايشتها؛ والخناجر التي دست في لحم قلبي، ظلت غائرة بعد أن كتبت عنها، وأنا أريد الفرار والنسيان. أمارس الفرار طوال وقتي، حتى يمسكني القلم ويعصرني، فأفرز كل عرقي ودمي على الورق؛ ثم أصير أكثر خفة وأطير .. أكتب لأنني قُدر لي أن أعيش بقلبٍ كسير، وعقلٍ لا يتوقف عن التفكير، وجسدٍ كالأرض المنهكة التي شن عليها حروب دامية .. أكتب لأنني أميل للأفعال الطيبة، والكتابة فعل طيب يليق بي .. أكتب لأنني وحيدة، والكتابة صديقتي النبيلة، وحبيبي اللطيف الذي لم يتركني يوما بل يفاجئني بزياراته الغير متوقعة دائما .. يرحلون أصحاب الوجوه المتلونة، ثم تأتيني الكتابة صاحبة الوجه الواحد، تمسح على رأسي بهدوء هامسة، أُكتبِ يا نهال .. لا أكذب إن قلت أنا أُعيد التعرف عليّ عند قراءة ما كتبت في ليلة كانت شديدة الظلام

ذاتي ما بين الشغف والعمل ١

الحكي يحتاج إلى ترو وذكاء عاطفي وإنساني؛ لن يتوفر إلا في قلب وعقل امرأة؛ لأنه فعل أمومي؛ ولن يمارس إلا بالصبر ..  تهدي لمن يسمعها ولو من بعيد طبطبات بصوتها؛ الذي تظنه لوهلة أنه موسيقى تصويرية للقصة! ليس الحكي بأن تروي حدوته حتى تنتهي مع انتهاء الشر وحسب؛ ليست المسألة مجرد كان ياما كان؛ وتوتة توتة فرغت الحدوته .. الحدوته لن تبدأ وتنتهي هكذا .. أن تحكي هو أن تعزف بكلماتك؛ وطبقات صوتك على أوتار القلب؛ ولب العقل فيسترخ ..  ويترك واقعه على أعتاب صدر امرأة تجيد فن السحر؛ تستطيع أن تضم من يسمعها؛ ولو كان جالسا بعيدا؛ وكأن كل من حولها أطفال صغار؛ تمسح على رؤوسهم بكلماتها؛ حتى تغرق جفونهم في سبات عميق .. الحدوته كالحياكة؛ خلقت بغزل الأبيض بالأسود؛ وما بينهما طبقات من الألوان والسحر والشغف؛ تستطيع المرأة أن تعيد غزل ثوب بالي، ينظر له الرجل نظرة اشمئزاز، وتنظر هي له نظرة سعادة بمولود جديد ..  المرأة شهرزاد لكل عصر، لكن ليس كل رجل شهرايارا .. تنتظر من يسمع لها دون ملل؛ ويذوب معها كل ليلة، حتى تنتهي لياليها الألف! ومع انتهاء كل ليلة ينتشي؛ وكأنها أول مرة ..  لديها الكثير لتقوله؛ تستطيع أن تخلق كل

عزيزي ١

 عزيزي .. أعيد كتابة رسالتي هذه بعد أن مزقتها عدة مرات، تظن أنني مترددة، والحقيقة أنني لم أكن يوما مترددة إلا عندما أحببتك! الحب يجعلنا خائفون؛ خائفون أن نقدم بقوة فنخسر؛ أو نتدلل فتضيع كل فرص اللقاء! وأنا في حبك مترددة؛ خائفة؛ كمراهقة تود رؤياك عند كل صباح لكنها تخشى المارة، وتخشى لوم الأصدقاء، وتخشى أن تضمن بقائها! يقول البعض أن البدايات يصنعها الرجال، والبعض الآخر يؤمن بأن من يحب بلا تردد؛ بلا شروط؛ بلا قيود؛ بلا منطق؛ يبدأ أولا .. لا أنتظر أن تبدأ أولا؛ ولا تنتظر مني أن أبدأ؛ أريد أن تظل البدايات كثيرًا، أن تربكني نظراتك؛ وأن يؤرقك غيابي المفاجيء؛ أن تقتلنا الغيرة حينما تقترب منا شرارته؛ وتدعي أنت أنها غيرة رجل شرقي على امرأة وحيدة؛ وأدعي أنا أنني "لا يعجبني الحال المايل" .. وأنا وقلبي نميل لك كل الميل؛ ولكنني شرقية تحب وتميل وترغب وتغار في صمت. أنظر لنفسي في المرآه؛ أرى ملامح وجه امرأة مشتاقة؛ أمسح على رأسي كعادتي وكأني أطمئن نفسي؛ بأن الإشتياق لن يدوم؛ وأن اللقاء بيني وبينك قريب؛ وسيجمعنا طريق؛ ويشغل فراغ أصابع يدي أصابعك؛ وأن كل رسائلي المكتوبة؛ ستقرأها يوما ما .. وربم

الأنوثة

ليست كل امرأه أنثى؛ لكن كل أنثى هي امرأه فريدة .. والمرأه الفريدة هي التي تجيد التعامل مع نفسها والآخرين؛ تضع الأمور في نصابها الصحيح؛ عقلها مستشارها الخاص؛ وقلبها ترمومترا زئبقه الضمير؛ تعزف على أوتار القلب ولب العقل بلحنها الخاص ومفرداتها المختلفة؛ تضع ساق على ساق؛ ولا تكرر جملتين؛ ولا تقسم كذبا أو خوفا .. الرقة رداءها؛ والقوة بطانة روحها؛ لا تشكو قلة حيلة؛ ولا تمارس العويل بسبب أو غير سبب؛ بل تغزل من أحزانها وهمومها أثوابا زاهية على مقاس جرحها؛ لتخفيه عن عيون (هن) المتفرغات لمضغ أخبار الحريم .. تأكل الكتب كلما جاعت؛ أو اقترب منها وحش الفراغ ليلتهمها؛ تغفو على وسادة تحمل رأسها وحدها دون شريك؛ ولا تشكو برد الفراش أو فراغه؛ تدلل نفسها لأقصى درجة وتقدس بنات جنسها؛ لن تأكلها الغيرة؛ بل هي التي تضربها بكف ساخر إذا اقترب منها ليهمس في أذنها "فلانة أحلى منك"  هي أنثى وليست مجرد قالب جسدي يميزه تضاريس معينة؛ تعرف أنها في المقدمة؛ لأنها اختارت أن تنحت عقلها ليتحول إلى جوهرة؛ وجعلت من جسدها محرابا لا يمسه إلا المطهرون "عقلا"  الأنثى أخطر أنواع النساء لأنها تدرك غايتها في ا

كيف يتعافى المرء؟

 كيف يتعافى المرء؟ بعد ما جرب كل الحيل، رفقة الصالحين، نصائح الأطباء، الإنعزال عن ضوضاء البشر، العبادة، نصائح الكبار، خفة ظل الصغار، اتباع شغفه، القراءة، التدوين اليومي، متابعة مسلسل مفضل، تعليم الطهي، الخياطة، وممارسة الرياضة .. ورغم ذلك: لازل يشعر بأنه مكبل بقيود حديدية تزداد عليه قسوة؛ فيزداد في المقابل ضعفا واستسلاما. يتعافى المرء بالصدق مع نفسه؛ ومع الآخرين .. يتعافى بخلع القناع المزيف الذي حرص على ارتداؤه طوال ساعات اليوم .. يتعافى بالطيبة؛ والحنو على نفسه أولا ثم مع كل من طرق بابه حتى لو بالصدفة .. يتعافى بلين حديثه، ووسع قلبه، ورحابة صدره .. يتعافى بكرم يده وقلبه، ورجاحة عقله فينقذ روحه قبل الإنزلاق في الهاوية .. يتعافى بحب الحياة، والرضا بالمقسوم، والتطوير من نفسه .. يتعافى بالمحبة المطلقة بلا أسباب غير (إكراما لله) فقط يتعافى المرء عندما يدرك ماهيته، ومما خلق، ولماذا خلق، ومن الخالق؟ حينها؛ حينها فقط يتعافى عندما يدرك أن كل شيء ضئيل وبلا وزن أمام عين الله؛ إلا أن يحزن قلبك .. لا تحزن حتى لا تضعف همتك، ويمرض جسدك، وتتشتت علاقاتك، ويصيبك اليأس والشك في كل شئ .. لا تحزن فلن يست

حديث ذات ٥

كُنت أظن وأنا صغيرة أن القلوب التي أرسمُها على كراساتي وأُخرج من أحد جانبيها سهماً ومن تحت السهم نُقطتين ألونهم بالأحمر على إعتبار أنه دم قلبي " المرسوم " شيئاً جميلاً .. فرسمتُ الكثير من القلوب على جُدران فصلي؛ وعلى كُل كراساتي؛ وعلى دفتري الذي كان معي مُنذ تعودت الكتابة وأنا صغيرة إلى الآن.  كُنت أعتقد أن القلوب تنُزف على الورق فقط، تُنزف فقط إذا رسمناها على ورقة بيضاء أو على جدار أصم، كُنت أتخيل أن السهم الذي نرسمه ما هو إلا مُجرد رسمه! فـ كبرت وتوقفتُ عن رسم قلبي على الورق وتوقفت عن غرز السهام فيه؛ واستقبلت سهامٍ أخرى .. ثمَّة مواقف، أقوال، أفعال، نظرات، تفعل ما لا تفعله السهام .. وثمة عابُرون يمرُون بالقلب مرور السهام السامة، فيرحلون ويتركون ندوباً والآلاماً ونزفاً لا يجف أبداً. وثمة قلوب كقطعة الإسفنج تمتص كل ما يهبط على سطحها ولا تُبالي، أقصد تبدو وكأنها لا تُبالي. عندما كنا صغاراً كُنا أقوى، لا نبكي إلا جوعاً أو خوفاً من الظلام، لا يهم من يسمع بكاؤنا لا يهم من يرى دموعنا، فالصغار لا يرتبون ولا يحسبون عواقب الأمور. كانت أحلامُنا تتحقق في غمضة عين فـ الحياة لا تطيقُ أن

تختيم سنة ٢٠١٩

 "كل الضربات كانت مميتة لكنني لم آمت"  لا أحد يعلم تلك الحروب التي أخوضها وحدي، بذراع واحد، وقدم واحدة، وعين واحدة، ترى العدو حبيب .. كنت دائمًا أعود منتصرة لكني متعبة الروح والجسد والقلب، فلا أشعر بلذة الإنتصار، فأنزوي بعيدا لأنشعل بتطيب جسدي وروحي .. عندما عدت من معركتي الأولى، كنت قزمة على أن تحاربني الحياة، وتفسد علي سعادتي، الحياة لا تحارب إلا الصغار، اللطيفون، الطيبون، الذين لا يريدون منها إلا الحب والحق والجمال .. كنت لا أملك رصيدا من أي شئ، إلا حب الحياة التي خذلتني فأصبحت أخشاها. عدت بجسد متهالك بفعل السهر والحمى، لم أجد من يربت علي كتفي، لم أجد من يمد لي يد المحبة الخالصة، إلا طبيبي. كانت أول كبسولة تناولتها للتشافي هي نصيحة "I'm The First" .. قالها بنبرة حزينة، تخيل يا صديقي، عندما يحزن الطبيب على مريض يلقاه أول مره! "عيشي بمبدأ أنا أولا"  "لأنك شخصية حساسة، ولأنك الشخص اللي ممكن يموت من كلمة توجعه". حزنت، وتألم قلبي مرة ثانية، لكن هذا الألم أفاقني، أنا لا أريد أن أموت، أريد أن أعيش كثيرا، كثيرا جدا، فلدي من الأحلام ما يحتاج عمري

عزيزتي نون ١

مرحباً عزيزتي نون .. دعيني أولاً أحدثك عن نفسي؛ رغم يقيني أننا كمعشر نون صورة متكررة الشعور والحدث؛ بغض النظر عن العمر؛ والإنتماء؛ والموقع الجغرافي؛ أو الإجتماعي؛ ودورنا الإنساني والمهني .. أحدثك عن ليلة ما؛ أنا وأنت وهن؛ بكينا فيها حتى النزف، وانتظرنا في الصباح التالي؛ أن تشرق الشمس لتنير ظلام القلب؛ لكنها أدبرت قرصها الحاني عن صدورنا؛ وكأننا لا نستحق الحياة!  أنا وأنت وهن؛ خذلنا حبيب وصديقة وأهل ووطن! أنا وأنت وهن؛ قهرنا قانون عمل؛ وأعراف معتوهه!  أنا وأنت وهن؛ قضينا ليال صيفية وشتوية نطوي الليال على مر المواسم؛ نبك سرا؛ دون أن يشعر بنا أهل؛ وفي الصباح نمارس طقوس الإدعاء؛ نخفي آثار البكاء والسهر بالمساحيق؛ ثم نسدل على العيون المهزومة نظارة شمسية! ونسينا أن الهزيمة؛ تصرخ بها الجسد؛ وتبوح بها نبرة الصوت، وتنطق بها حركات اليد .. بعد كثير من الوقت والتجارب ومرور الأشخاص؛ بعد التعلق الذي شق القلب إلى نصفين، وتدنيس الوعد؛ وتقديس من لا يستحق شرف المرور في حياتك وحياتي! أدركت أخيرا بعد أشواط من الألم؛ أن الحرية هي جل النعم؛ أن تكوني حرة من كل القيود الوهمية التي ننسجها بخيوط من الزيف؛ مصبوغة

حديث ذات ٤

أنتظر الخريف بفارغ الصبر، لكنني أكره نوبات الحنين، وآنين البيوت والشوارع؛ الشتاء يجعلني بمزاج منتعش، لكنني أكره رعشة أجساد الفقراء، وأخشى انهيار بيوتهم الهشة. العشق يجعلني أطير، لكنني أكره الخذلان والألم وأخشى الفقد؛ أحب الناس جميعا، ولكنني أكره تقلبات البشر وثقافة البديل تؤلمني! يسعدني السفر، لكنني أصبحت مرهقة دائماً.  أحب طيبتي، لكنني تأذيت منها؛ أكره غضبي، لكنني لن أصل إليه إلا بعد فراغ الصبر والفرص. أحب البدايات، لأنها ولادة جديدة لنا، تعني أننا لازلنا نتنفس.  دائماً الحب منقوص، دائماً له وجه آخر يفسد علينا الشعور بالمتعة، إلا حب الله، يجبر كل كسر فينا، وكأننا لم يكسر لنا خاطر يوماً ما .. القاهرة | ١١ نوڤمپر ٢٠٢٢ م

حديث ذات ٣

 ليلة إمبارح مجاليش نوم! صباح أمس؛ تناولت فطوري مع أمي ثم تناولنا قهوتنا سريعاً؛ لم أشعر بمذاق القهوة؛ ولم أستطعم لذة الفطور؛ لست مصابة كورونا يا أصدقاء؛ لقد أصابني الرعب الدائم من أصل متأخرة! أنا أركض للحاق بالمواصلات؛ حتى أصل في ميعاد معقول؛ وحتى أنال رضا رؤسائي؛ أركض حتى أسبق أطراف النهار قبل أن تلملم أزيالها عن الأرض؛ فأسير في العتمة! أركض حتى أصل لسريري؛ فألقي بجسدي وكأنني جثة! أنا أركض منذ مجيئي؛ وأظنني لن أتوقف عنه؛ هنا من يتوقف عن الركض تدهسه الأقدام! أنظر لساعة يدي أجد هناك متسع من الوقت حوالي ١٥ دقيقة يمكنني تناول فنجان من القهوة فقط لأستشعر مذاقها! وبالفعل تناولتها ولكن على عجل؛ فقررت أن أضع حد ل لعنة البحث عن المذاق التي أصابتني؛ لأجدها في الفنجان الثالث وكان في المكتب .. أعده لي عامل البوفية سريعاً كالعادة؛ كان فنجان صغير الحجم؛ حلو المذاق؛ لكنه كان كفيلاً بأنه جعلني ليلة امبارح مجاليش نوم!  هنا القاهرة  ٧ ديسمبر ٢٠٢٢

حديث ذات ٢

 في الصباح؛ أخبرتني سيدة أن وجهي متوردا؛ وأنني أبدو بمزاج جيد؛ وبعد الظهيرة أخبرتني أخرى أنني شاحبة وبشرتي ذابلة؛ ضحكت وقلت لنفسي ماذا لو قابلت احداهن في المساء ربما تراني بعين ثالثة غريبة عني .. والحقيقة التي ينكرها الجميع؛ أن قلوبنا حدائق تزهر وتذبل بكلمة! بورسعيد | ١٦ يوليو ٢٠٢٢

حديث ذات ١

الحديث الذي يسكن صدرك، سطورك التي لن يقرأها أحد سواك على مدار سنين، عتابك ودموعك التي تخنق حنجرتك، وحتى اعترافاتك التي لن تصلح للبوح، هي أصدق ما شعرت به على الإطلاق، هي أنت الحقيقية، أنت التي لم ولن يعرفها أحد! بورسعيد  | ٢٨ نوفمبر ٢٠١٩

الحب ٢

 يسألونك عن الحُبّ. قل هو قدر من أقدار الله؛ ليس لنا من أمرنا فيه شيء؛ يأتيك مرة كالرداء الواقي من غدر النفس والحياة والبشر؛ ويأتيك مرة كابتلاء وداء للنفس والجسد والروح؛ وثقل للقلب.  الحب القليل منه يكفي؛ والكثير منه يغوي العقل ويهلكه؛ لا مرد في الهوى ولا شفاعة ولا عوض!  الا إن صاحب العقل القلب وأخذه أخذ الخل لخليله؛ لا يقسو عليه ولا يعايره في ذنب الهوى .. من وقع في الهوى ربما سيدرك خطيئته ويتوب؛ ومن لم يقع فيه يوماً سيعيش العمر كله بذنب جمود القلب والعين؛ يراه الناس ترفع؛ لكنه في حقيقة الأمر؛ فقر قلب وتاريخ! يكفينا في العمر مرة واحدة نخطأ بإسم الهوى؛ لنتوب معها عن صغائر العشق لا لنصوم عنه. القاهرة| ٦ نوڤمبر ٢٠٢٢

بريد نون ١

أرسل لي أحدهم رسالة، صاحب الرسالة كان حبيباً يوماً ما لصديقتي المُقربة. يطلُب مني أن أجعلها تُسَّامحه، أن تغفر له قسوته، أن تعفو وتصفح لتبدأ معه من جديد، أن تتذكر ذكرياتهم الحُلوة، وسنواتهم الطويلة، أن تتذكر الأحلام والأُمنيات! قرأت رسالته وأنا أشعر بالغضب، بعد أن ختمها برجاء، أن لا أجعلها تقرأ رسالته المحشوة بالإنكسار والحنين، الرجال لا تنكسر، الرجال لا تحن .. الرجال يعودون بعد غياب ولهم الحق! يعُود الرجل بعد أن تقطع أُنثاه طريقٍ طويلٍ من الألم والحيرة، وبعد أن يُمزقها الحنين الأسود حتى تتغلب عليه، يعُود بعد أن أيقن أنها أصبحت أقوى، وأنها توقفت عن عقاقير النسيان .. وبدأت الحياة من جديد، حياة لا تشبه الأولى، ربمَّا رتبة ولكنها خالية منه، خالية من الإنتظار واللهفة والرغبة، ومن الخذلان .. هو لا يعلم عدد مرات الإشتياق، وليالي الوحدة والبرد والألم، والتساؤلات الحائرة التي لا إجابة لها. لا يعلم المُّكالمات الطويلة التي كانت تحدُث بيننا فأجذبها للحديث عن أي شيء، ثم فجأة يتحول صوتها لأنفاسٍ ضعيفة وهي تتساءل "لماذا هجرني" فأبدأ معها شوطاً جديداً من أشواط النسيان .. لا يعلم كيف تبدّلت

اليوم العالمي للتطوع

دون سابق إنذار؛ ودون إشارة من السماء أو الأرض؛ قررت إرتداء غطاء الوجه -النقاب! كان قرارا من القلب؛ إممم لتصح الجملة أكثر؛ كان ميلا من القلب! القرارات يصنعها العقل لا القلب؛ وحده العقل يعد مقادير القرار ويتركها على نار هادئة حتى تنضج! إرتديت النقاب؛ لكنه لم يرتديني على مدار ثلاث سنوات! لم ولن أستطيع أن أقول أنني كرهته؛ أو كرهت التجربة؛ بل أدين بالفضل لسواده؛ ولسنوات التجربة "الصعبة" النقاب جذب لي خيرا وفيرا وأمورا أخرى ساقت لي الأذى والكثير من الألم! النقاب مجرد رداءا ليس تاجا على رؤوس الأميرات؛ أو يجعل من أخرى مميزة عن سواها! إرتديت النقاب وحدي وبلا سبب؛ ورفعته عن وجهي لأكثر من سبب .. لكن جعلني أبحث في أمور ديني؛ فقط كان هذا هو الدرس المستفاد! تعطلت كل حواسي وقت إتخاذ القرار؛ وإختنق عقلي من عذابات التفكير؛ الذي سلط الأرق الليلي علي ومن ثم عدم النوم؛ وبالنهار يضرب رأسي طواحين التفكير؛ مما أدى إلى هبوط دائم في ضغط الدم! أملك قلب ماسي؛ تستطيع أن ترى ما في قلبي ببساطه؛ وبقلبي هذا أستطيع أن أرى ما في قلبك؛ ويسري تحت جلدك؛ ثم أغض الطرف عن عورات روحك؛ وكأنني ما رأيت .. لست أهل للنقا

من أوراق الماضي ٢

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد؛ أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت/ في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها؛ هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج؛ أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصاً غريباً عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدود

من أوراق الماضي ١

أملك دفترا معبأ بالذكريات كتبتها لأنساها، فخلدتها دون أن أقصد لآخر العمر .. لن أكذب عليك، قلبي ليس بكرا، كما أنني أملك عمرين، عمرا إذا سألني الناس عنه أجبت؛ وهو ذاته الذي جذبك نحوي يوم ظننت أنني أرض لم تشن فيها الحروب يوما، والحقيقة أن قلبي استوطنته الحروب وقتا كبيرا، ولم يتبقى منه إلا أشلاء، وبعض صفحات دفتر لعين، تطاردني ذكراه من حين لآخر .. أضع بكسل أوراق النعنع في فنجان الشاي، وأقلبه على مهل، وكأنني أنتظر خروج سرا، بعد أن أفرك مصباح قديم؛ ثم أتمتم بأمنيات أعلم أنها مستحيلة! أخرج من دوائر علاقاتي لأنني أصبحت لا أطيق الزحام، أكره أن يلزمني أحدهم بواجبات اجتماعية، فأنزوي بعيدا وأنشغل بغزل نياط قلبي من جديد .. أتعلم أين المشكلة يا عزيزي؟  المشكلة أنني امرأة مشغولة بالماضي، أحن له في الصباح ك حنين الجائع لخبز ساخن، على طاولته الكثير من الأصناف الشهية، لكن حلمه أبسط من كل هذا ..  المشكلة أنك سقطت في حب امرأة لديها سر، وتلك هي أم المشكلات ستجدها شاردة، صامتة، يراها السطحيون مملة، لكنها لديها الكثير من الحواديت، تستطيع أن تضمك إلى صدرها بحنو ك إبن مدلل، وتروي لك حدوتة حتى تصيح الديكة .. هل

البقاء للذكرى

الذين آفلتوا أياديهم منا في منتصف الطريق، وتركونا للحيرة تقتلنا، ومزقوا تلك العهود التي كتبت بدماء أرواحنا. وأقسموا لنا على عدم الرحيل ثم رحلوا، وشاركونا النهار والليل؛ وتقاسمنا معهم السعادة والألم؛ وعاهدونا على كتمان السر، ثم أفشوه؛ يعلمون من أين تؤكل القلوب، فمزقوا نياط قلوبنا؛ ثم قالوا عنا ما ليس فينا، وهم أعلم الناس عنا ..  شاركونا السفر والسهر وليالي السحر، وأبيات الشعر، وبدايات الروايات، ثم تركونا لأشباح كل رواية تعلم سرنا الجميل فحولته إلى كابوس مؤلم.  كانوا لنا كتفا لم تمل، ووطنا لم يثور، وأرضا خضراء لم تبور، ولكن مع الوقت كل شيء قد ذبل - كل شيء قد ذبل .. لكن قلوبنا غفرت؛ فنحن أيضا سيئون في حياة أحدهم حتى لو لم نعلم؛ غدا تنتهي الآلام، وتبقى الذكرى لنا ولكم .. بورسعيد | ٨ سبتمبر ٢٠٢١ م

أحلى أيام العمر

منذ فترة؛ جائني إشعارا يعلن عن إنضمامي لجروب على الواتساب .. أقوم بفتح الواتساب وأنا مضجرة؛ تزعجني الإشعارات؛ والأحاديث التي ليس لها أول من آخر .. كما أنني أكره نظام "الشلة" وأكره أيضا أن يخطفني أحدهم من عزلتي المحببة .. وجدتني بين أرقام لا أعرف هوية أصاحبها؛ تتقاذف الرسائل والوجوه المضحكة فيما بينهم؛ وأنا أشعر بالإستفزاز .. لكن كان هناك من بين الأرقام رقم أو رقمين مدرجين في قائمة الأسماء بهاتفي؛ لابد وأن أسأل احداهن .. أنا أود أن أخرج لكن الفضول يقتلني .. من هؤلاء؟ ومن أنا بينهم؟  ولماذا أنا هنا؟ أطل بعيوني على اسم الجروب لأجده "أحلى أيام العمر" فأبتسم بسخرية؛ لقد كفرت بهذه المعاني! قررت أن أسأل احدى صديقاتي؛ والتي قذفتني في تلك الغرفة الدافئة: مين دول؟  -دول دفعة الكلية يا نهال. وكأنني في لحظة سافرت عبر آلة الزمن إلى الماضي؛ صمت وعدت لأراقب حديثهم الجميل؛ وشئ في قلبي يئن؛ الجميع يحكي بلهجة حزينة ماذا فعلت به الحياة؛ وإلى أي شط آلقت به؛ وكم خسر؛ وكم كسب؛ ومتى صبغ الزمن شعره بالرمادي؛ وكيف استقر الشيب في قلبه .. ثم خطفني منهم صوت قطار وقذف بي على رصيف فارغ من المساف

حكاية امرأة بجرح غائر

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبداً .. كنت في احدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئاً ليس مريحاً أو صحيحاً.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبداً يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي ٥٥ سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت ب

أحلام كرتون

 كل ما أردته أن أصبح بائعة كتب في الصباح، وفي المساء أقاوم حزني بالرقص حتى أسقط بين الكتب، أستيقظ في الفجر لأروي ورداتي بماء مخلوط بالسكر، فينتصب عودها، وتهلل لي بأوراقها وكأنها تود أن تشكرني .. ثم أجلس على الرصيف أراقب المارة وهم في طريقهم إلى العمل، وجوههم عابسة، خطواتهم كسولة، وملابسهم غير مرتبة، أنظر إليهم وتملؤني الشفقة عليهم من رتابة الحياة، ثم أترجل إلى مكتبتي .. أعيد تدوير اسطوانه لموسيقى يابانية وأعد لنفسي قطعة من الحلوى .. ثم أتناول كتاب من بين أرفف الكتب القديمة، أعشق الأساطير، وأحب الفساتين وأتخيل ماذا لو فرضت السلطات على الإناث خروجهن بالأتواج .. ستتحول المدينة إلى جزيرة تسكنها الأميرات، أتخيل لو أن لي تاج مرصع باللؤلؤ؛ تتنافس على شراؤه الفتايات، لكن لم يجدن مثله في الأسواق! تسألني احداهن من أين تأتي بمثله، أخبرها بأنني وجدت سرا في كتاب قديم، فكافئني الجن عند أول صباح، فوجدته على وسادتي بجوار رأسي .. جاءتني إحدى الفتايات تسألني عن كتاب لوصفات العناية بالبشرة، تقول أنها خسرت الكثير من جمالها عندما خذلها من تحب، وارتسمت حول عيونها الهالات السوداء، وعلى جبينها وبين حاجبيها خط