كل ما أردته أن أصبح بائعة كتب في الصباح، وفي المساء أقاوم حزني بالرقص حتى أسقط بين الكتب، أستيقظ في الفجر لأروي ورداتي بماء مخلوط بالسكر، فينتصب عودها، وتهلل لي بأوراقها وكأنها تود أن تشكرني ..
ثم أجلس على الرصيف أراقب المارة وهم في طريقهم إلى العمل، وجوههم عابسة، خطواتهم كسولة، وملابسهم غير مرتبة، أنظر إليهم وتملؤني الشفقة عليهم من رتابة الحياة، ثم أترجل إلى مكتبتي ..
أعيد تدوير اسطوانه لموسيقى يابانية وأعد لنفسي قطعة من الحلوى ..
ثم أتناول كتاب من بين أرفف الكتب القديمة، أعشق الأساطير، وأحب الفساتين وأتخيل ماذا لو فرضت السلطات على الإناث خروجهن بالأتواج ..
ستتحول المدينة إلى جزيرة تسكنها الأميرات، أتخيل لو أن لي تاج مرصع باللؤلؤ؛ تتنافس على شراؤه الفتايات، لكن لم يجدن مثله في الأسواق!
تسألني احداهن من أين تأتي بمثله، أخبرها بأنني وجدت سرا في كتاب قديم، فكافئني الجن عند أول صباح، فوجدته على وسادتي بجوار رأسي ..
جاءتني إحدى الفتايات تسألني عن كتاب لوصفات العناية بالبشرة، تقول أنها خسرت الكثير من جمالها عندما خذلها من تحب، وارتسمت حول عيونها الهالات السوداء، وعلى جبينها وبين حاجبيها خطوط الحزن، وأصبح وجهها هزيل واختفت حمرة وجنتيها كغياب الشمس عند الغروب ..
أخبرتها أنني أصدق كل ما أقرأ في الكتب إلا وصفات العناية هذه، أؤمن أن ما أفسده الحزن لن يصلحه إلا سعادة جديدة، وأن ما هزمه الزمان لن يصلحه العطارون بل يصلحه أن تتصالح معه ..
أراها فتاة جميلة، ترتدي فستانا خوخي اللون ينتهي عن ركبتيها، تنقر بحذائها نقرات ناعمة كصوتها، أما ضفائرها الذهبية تتدلى على أكتافها بدلال عشرينية غدا ستندم على ما تفرط من العمر في الحديث عن رجل قرر الرحيل بدون أسباب ..
أخذت بكفيها إلى رواق مكتبتي، شهقت عندما رأت جدران المكتبة مكتظة بالكتب حتى السقف، قلت لها اختاري ما تشائين من الكتب إلا كتب العناية ..
هنا كتب التاريخ، وهنا الأدب الروسي، وهناك العديد والعديد من الكتب المترجمة، وتركتها لحيرتها وخرجت ..
وبعد قليل خرجت تضم على صدرها كتاب وعلى وجهها ابتسامة خجولة رفضت أن تخبرني ما اسم الكتاب، لكن بين يديها ظهرت كلمة رواية ..
بادلتها الإبتسام، ووضعت على رأسها طوق من الورد، ثم رحلت ..
بورسعيد | ١١ يونيو ٢٠٢٠ م
تعليقات