التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٦

انتقلت صديقتي لمسكن جديد بحي راق؛ ثم طلبت مني أن أزورها في القريب العاجل؛ تلح علي بزيارتها قبل أن يأتيها أحد لرؤية منزلها الجديد؛ لأنها تود أن أكون أول الزائرين ..

إستجبت لإلحاحها الطفولي؛ وأرسلت لي العنوان وإتفقنا على موعد محدد ومناسب بحيث أن لا يكون زوجها في المنزل ..

أنا لا أفضل زيارة صديقاتي وأزواجهن في الدار؛ وهن يعلمن عني هذا ..

توجهت للعنوان المحدد وأنا أشعر بالكسل؛ العنوان بعيد - بعيد جدا - كنت جالسة في الكرسي الخلفي من التاكسي وأنا أتأفف؛ الشوارع زحمة؛ الطقس حار- والعنوان بعيد وهي تلح بإتصالاتها كل دقيقتين؛ كدت أقذف هاتفي من النافذة ..

حتى وصلت؛ وقفت أمام بناية شاهقة في حي هادئ؛ يحاوطه الأخضر من كل مكان؛ أرفع رأسي عاليا أجدها واقفة ك طفل ذاب إشتياقا من إنتظار أمه ..

لوحت لها؛ ثم صعدت الدرج بهدوء؛ حتى وجدتني أمام باب منزلها وهي تقف بسعادة بالغة؛ ترتدي فستان قطني قصير؛ تاركة شعرها دون تسريح أو ترتيب؛ تجذبني بقوة إلى الداخل وتلق علي كلمات الترحيب والإشتياق ..

تطلب مني أن ألقي نظرة سريعة على حجرات المنزل؛ وهي تعلم أنني لن أفعل؛ أنا أريد شيئا آخر ..

أريد المطبخ 

مكاني المفضل في البيوت؛ بيت آخر داخل كل بيت؛ مملكة خاصة لسيدة المنزل وربما رفيقاتها ..

أنا يعجبني أن أجلس أرضا على أرضية رطبة؛ في مكان دافئ وصغير كالمطبخ؛ ومطبخ هذا البيت صنع بطريقة مدهشة! 

صغيرا إلى الحد الذي لا يسمح بوجود أكثر من فردين؛ حوائطه بنيه اللون؛ نافذته مربعة تغلفها ستارة قطنية منقوش عليها ورود صغيرة ..

ظلت عيوني تمر على كل ركن وأنا مبتسمة؛ ثم جلست أرضا وطلبت منها أن تجلس بجواري ..

جلستنا المفضلة دائما؛ على مدار حياة طويلة؛ وفي كل بيت انتقلت إليه صديقتي وأنا أيضا؛ رغم تغيير العناوين واختلاف الأذواق لكل بيت؛ إلا أن ظل المطبخ مكان مفضل يسمح بالكثير من الفوضى المحببة؛ والثرثرة البناتي دون تكلف أو ادعاء ..

في المطبخ؛ أخلع كعبي العالي؛ وأجلس أرضا وأترك روحي تتمدد ..


بورسعيد | أغسطس ٢٠٢١



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد