في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبداً ..
كنت في احدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئاً ليس مريحاً أو صحيحاً.
نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات!
ثم تجرأت: في حاجة؟
أبداً يا حبيبتي: انتي مصرية؟
ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب
ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري
نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت.
أنا عندي ٥٥ سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه!
سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات ..
تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب ..
لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.
سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني..
سددت بدوري فاتورتي وخرجت: أنا اسمي نهال ومش عاوزة أعرف اسمك وبشتغل في ( .. ) لو احتاجتيني أنا تحت أمرك روحي هناك أي حد هيوصلك ليا.
أخبرتني أنها صائمة وأنها ستدعو الله لي براحة القلب كنت لا أعلم إن انهزام القلب تكشفه الملامح ولو كنت صامته ..
دعوتها على الإفطار في مطعم مفضل لي، وبالفعل توجهنا إلى هناك كانت تكمل قصتها وتبك، لماذا لا يشعر بي ابني، لماذا يجب علي التضحية طوال عمري ..
نصحتها أن تفعل ما تؤمن به ما دام ليس حراما أو عيبا، تركت لها الطاولة وأنا حزينة أحمل همها بين طبقات جلدي إلى الآن ..
القصة منذ سنوات لكنها عالقة بعقلي وقلبي إلى الآن ..
ضعفها وانكسارها يؤلمني كلما تذكرتها، تذكرت تلك الخنقة التي في صوتها، النقاب البالي التي وافقت على ارتداؤه طوال العمر لمجرد أن زوجها يغار عليها وابنها بالتالي.
الدمعة الحائرة التي تسكن عيونها فتبتلعها كلما تذكرت خيبتها، الرعشة التي بيديها والتي تعلن عن انهزام امرأة أمام عاهات يصنعها الإنسان!
بنفسج | ٢٤ مايو ٢٠٢٠
تعليقات