ينتهي ديسمپر ويلملم أيامه المتبقية؛ سائلا كيف كان يبدو لك هذا العام؟
بالنسبة لي؛ كان عاما مليئا بالمواجهات الصادمة؛ وأحاديث الذات؛ التي كانت تبث في روحي هدوءا؛ عام الكشف لما مضى والتفريغ لكل ما حصلته من تجارب مؤلمة وسعيدة؛ والترتيب للأولويات ..
في لحظة تأمل كنت أفكر هل تنحصر فترة التربية والتهذيب في فترة الطفولة وحسب!
لأدرك مع الوقت أن التربية ليست مهمة الأب والأم وحدهما؛ ولا البيئة ولا القواعد المجتمعية؛ تبدأ التربية وتنتهي من الله وعنده ..
تشاكسني زميلة أرادت أن تكسر صمتي الملحوظ؛ فقالت ربنا بيبتلي بس اللي بيحبهم!
أجبتها: بأن ابتلاء ربنا تربية لنا؛ واختصرت القول بقناعة شخصية بسيطة (ربنا اسمه ربنا علشان بيربينا).
نظرت لي نظرة استنكار؛ وقالت لا الجملة دي ماينفعش تقوليها!
ضحكت وأوضحت لها؛ أن كواليس حياة كل الأنبياء والرسل كانت تملؤها الإبتلاءات والشدائد ليصنعهم الله بطريقته الرحيمة ويعدهم لمهمتهم النبيلة؛ كذلك باقي البشر بدرجاتهم المتفاوتة في الفهم والإدراك والتبصرة والصبر وقوة التحمل وقوتهم البدنية كذلك؛ يمنحهم الله ما يطيقونه حتى يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان - الإيمان - الوعي ..
لطالما كانت قناعاتي الشخصية في طور التغيير طوال الوقت؛ فما كنت أؤمن به بالأمس؛ أصبح مجرد نكتة أتذكرها وأسخر من نفسي ..
وما كنت أستصعبه على نفسي؛ أصبح قانون حياتي وتعاملاتي اليوم - الغريب في الأمر أن خلف الأمور والقرارات الصعبة رحابة وحرية وشلالات من السلام ..
كلما اِستغنيتُ اِغتنيتُ؛ وكلما قُلتُ الحقائق صريحة تخففتُ؛ والخفة هي چل ما تمنيتُ ..
العلاقات الإنسانية أصبحت أكثر تعقيداً؛ أو ربما هي في الأصل معقدة لكن قنوات التواصل الإجتماعي كشفت تعقيدها؛ كما كشفت الأخلاق والنوايا؛ لتتحول الصفحات الشخصية إلى طُرقة للردح!
بغض النظر عن نوع الرابط للعلاقة؛ المهم الأن من (ينتصر في الردح والتلقيح)!
والحقيقة الإنتصار كل الإنتصار للصامت الذي ملك نفسه؛ رغم انصهار روحه؛ وتساقط رصيد المحبة بداخله!
خلال هذا العام كنت بلا أصابع يد لقد بُترت مني فيما قبل؛ فلا مني اِستطعت أن أرد السُبة كما لم أستطع أن أتمسك بأحد ليبقى؛ كل ما أمتلكه هو الصمت؛ الصمت التام!
الإنسان الذي قرر أن يَنْأى بنفسه؛ يفضل أن يبْتَلَعَ الأحداث السخيفة والكلمات الرزلة ثم يهضمها لتخرج في صورة فضلات؛ يفضل عملية التطهير الصامتة عن أن يواجه أقزام!
الإنتقال من بلد لبلد علمني أن البيت الأول لي هو جسدي الذي يستحق العناية والتطبيب والطبطبة والراحة والتقدير؛ جسدي الذي تحمل معي عناء سفري وتعبي.
فالبيوت في حالة بيع وشراء وايجار واستبدال كما الأشخاص؛ أما كرامة الجسد لا تقبل مقايضات؛ فينهار دفعة واحدة؛ هكذا كالبيوت العتيقة ..
في هذا العام رأيت وجها أخر من الحياة؛ ومني؛ أما عن الحياة فهي قاسية؛ أما عن نفسي فأنا قوية بما يكفي؛ ولا عزاء للأقزام ..
- هنا القاهرة -
٢٣ ديسمپر ٢٠٢٢ م
تعليقات