التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تختيم سنة ٢٠٢٢

 ينتهي ديسمپر ويلملم أيامه المتبقية؛ سائلا كيف كان يبدو لك هذا العام؟


بالنسبة لي؛ كان عاما مليئا بالمواجهات الصادمة؛ وأحاديث الذات؛ التي كانت تبث في روحي هدوءا؛ عام الكشف لما مضى والتفريغ لكل ما حصلته من تجارب مؤلمة وسعيدة؛ والترتيب للأولويات ..


في لحظة تأمل كنت أفكر هل تنحصر فترة التربية والتهذيب في فترة الطفولة وحسب!


لأدرك مع الوقت أن التربية ليست مهمة الأب والأم وحدهما؛ ولا البيئة ولا القواعد المجتمعية؛ تبدأ التربية وتنتهي من الله وعنده ..


تشاكسني زميلة أرادت أن تكسر صمتي الملحوظ؛ فقالت ربنا بيبتلي بس اللي بيحبهم!


أجبتها: بأن ابتلاء ربنا تربية لنا؛ واختصرت القول بقناعة شخصية بسيطة (ربنا اسمه ربنا علشان بيربينا). 


نظرت لي نظرة استنكار؛ وقالت لا الجملة دي ماينفعش تقوليها!


ضحكت وأوضحت لها؛ أن كواليس حياة كل الأنبياء والرسل كانت تملؤها الإبتلاءات والشدائد ليصنعهم الله بطريقته الرحيمة ويعدهم لمهمتهم النبيلة؛ كذلك باقي البشر بدرجاتهم المتفاوتة في الفهم والإدراك والتبصرة والصبر وقوة التحمل وقوتهم البدنية كذلك؛ يمنحهم الله ما يطيقونه حتى يأخذ بأيديهم إلى بر الأمان - الإيمان - الوعي ..


لطالما كانت قناعاتي الشخصية في طور التغيير طوال الوقت؛ فما كنت أؤمن به بالأمس؛ أصبح مجرد نكتة أتذكرها وأسخر من نفسي ..


وما كنت أستصعبه على نفسي؛ أصبح قانون حياتي وتعاملاتي اليوم - الغريب في الأمر أن خلف الأمور والقرارات الصعبة رحابة وحرية وشلالات من السلام ..


كلما اِستغنيتُ اِغتنيتُ؛ وكلما قُلتُ الحقائق صريحة تخففتُ؛ والخفة هي چل ما تمنيتُ ..


العلاقات الإنسانية أصبحت أكثر تعقيداً؛ أو ربما هي في الأصل معقدة لكن قنوات التواصل الإجتماعي كشفت تعقيدها؛ كما كشفت الأخلاق والنوايا؛ لتتحول الصفحات الشخصية إلى طُرقة للردح!


بغض النظر عن نوع الرابط للعلاقة؛ المهم الأن من (ينتصر في الردح والتلقيح)!


والحقيقة الإنتصار كل الإنتصار للصامت الذي ملك نفسه؛ رغم انصهار روحه؛ وتساقط رصيد المحبة بداخله!


خلال هذا العام كنت بلا أصابع يد لقد بُترت مني فيما قبل؛ فلا مني اِستطعت أن أرد السُبة كما لم أستطع أن أتمسك بأحد ليبقى؛ كل ما أمتلكه هو الصمت؛ الصمت التام! 


الإنسان الذي قرر أن يَنْأى بنفسه؛ يفضل أن يبْتَلَعَ الأحداث السخيفة والكلمات الرزلة ثم يهضمها لتخرج في صورة فضلات؛ يفضل عملية التطهير الصامتة عن أن يواجه أقزام!


الإنتقال من بلد لبلد علمني أن البيت الأول لي هو جسدي الذي يستحق العناية والتطبيب والطبطبة والراحة والتقدير؛ جسدي الذي تحمل معي عناء سفري وتعبي.


فالبيوت في حالة بيع وشراء وايجار واستبدال كما الأشخاص؛ أما كرامة الجسد لا تقبل مقايضات؛ فينهار دفعة واحدة؛ هكذا كالبيوت العتيقة .. 


في هذا العام رأيت وجها أخر من الحياة؛ ومني؛ أما عن الحياة فهي قاسية؛ أما عن نفسي فأنا قوية بما يكفي؛ ولا عزاء للأقزام ..



- هنا القاهرة - 

٢٣ ديسمپر ٢٠٢٢ م



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو