التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٥

كُنت أظن وأنا صغيرة أن القلوب التي أرسمُها على كراساتي وأُخرج من أحد جانبيها سهماً ومن تحت السهم نُقطتين ألونهم بالأحمر على إعتبار أنه دم قلبي " المرسوم " شيئاً جميلاً ..

فرسمتُ الكثير من القلوب على جُدران فصلي؛ وعلى كُل كراساتي؛ وعلى دفتري الذي كان معي مُنذ تعودت الكتابة وأنا صغيرة إلى الآن. 


كُنت أعتقد أن القلوب تنُزف على الورق فقط، تُنزف فقط إذا رسمناها على ورقة بيضاء أو على جدار أصم، كُنت أتخيل أن السهم الذي نرسمه ما هو إلا مُجرد رسمه!


فـ كبرت وتوقفتُ عن رسم قلبي على الورق وتوقفت عن غرز السهام فيه؛ واستقبلت سهامٍ أخرى ..


ثمَّة مواقف، أقوال، أفعال، نظرات، تفعل ما لا تفعله السهام ..


وثمة عابُرون يمرُون بالقلب مرور السهام السامة، فيرحلون ويتركون ندوباً والآلاماً ونزفاً لا يجف أبداً.


وثمة قلوب كقطعة الإسفنج تمتص كل ما يهبط على سطحها ولا تُبالي، أقصد تبدو وكأنها لا تُبالي.


عندما كنا صغاراً كُنا أقوى، لا نبكي إلا جوعاً أو خوفاً من الظلام، لا يهم من يسمع بكاؤنا لا يهم من يرى دموعنا، فالصغار لا يرتبون ولا يحسبون عواقب الأمور.


كانت أحلامُنا تتحقق في غمضة عين فـ الحياة لا تطيقُ أن تُحزن الصغار، تحتفظ في جُعبتها بكُل الأحزان حتى نكبر وتنتصب أقدامنا، وتشتد ظهورنا على إعتبار أن الكَبير أقوى. 


عندما ُكنا صغاراً كنا أقوى.

كان أكثر ما يؤلمني وأنا صغيرة أن تُمشط أمي شعري، حينها كان شعري كثيفاً جداً وطويلا،ً وشديد السواد، فكان كلما زاد طوله شبرا،ً تقوم بقصه من أجل سهولة حمله وتمشيطه.


تجمع شعري كله بشدة بين يديها لترفعه إلى أعلى فيصبح " زيل حُصان " فيهبط منه بعض خُصلات كثيفة على عُيوني فتكرر قصهم في مرةٍ لاحقة.


وفي الصباح وأنا ذاهبة لمدرستي تشدُ ضفائري، وتُغازل سواد شعري، وتُلقي عليّ الوصايا، التي نسيتُها تماماً، لم يتبقى منها في ذاكرتي إلا " خلي بالك على أخوكِ " وتُقبلّني بين حاجبيّ وأمسك كف أخي الصغير ثم أرحل.


يامايا ياما يامايا ياما

 شدي الضفاير شدي رُباطها عصبيني

 لو قادرة ياما لو قادرة ياما

 تقيديها قيديها وقيديني

 شُعوري مُوجه

 عماله تلعب عماله تُرقص فُوق جبيني

 شُعورى شُوق

 وبشوقي حايره منا عارفه ماشيه منا عارفه طايره

 وكلام فى سرك

 وبقولها مرة عذاب بحسوا عذاب وثوره

 يامايا ياما يامايا ياما

 شدي الضفاير شدي رُباطها عصبيني ..


بورسعيد| ١١ ڤبراير ٢٠٢٠





تعليقات

‏قال aya mohamed
الله يا نهال الأغنيه دي رهيبة بعشق حنان ماضي
وكلامك كمان جميل ربنا يسعد قلبك

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو