أرسل لي أحدهم رسالة، صاحب الرسالة كان حبيباً يوماً ما لصديقتي المُقربة.
يطلُب مني أن أجعلها تُسَّامحه، أن تغفر له قسوته، أن تعفو وتصفح لتبدأ معه من جديد، أن تتذكر ذكرياتهم الحُلوة، وسنواتهم الطويلة، أن تتذكر الأحلام والأُمنيات!
قرأت رسالته وأنا أشعر بالغضب، بعد أن ختمها برجاء، أن لا أجعلها تقرأ رسالته المحشوة بالإنكسار والحنين، الرجال لا تنكسر، الرجال لا تحن ..
الرجال يعودون بعد غياب ولهم الحق!
يعُود الرجل بعد أن تقطع أُنثاه طريقٍ طويلٍ من الألم والحيرة، وبعد أن يُمزقها الحنين الأسود حتى تتغلب عليه، يعُود بعد أن أيقن أنها أصبحت أقوى، وأنها توقفت عن عقاقير النسيان ..
وبدأت الحياة من جديد، حياة لا تشبه الأولى، ربمَّا رتبة ولكنها خالية منه، خالية من الإنتظار واللهفة والرغبة، ومن الخذلان ..
هو لا يعلم عدد مرات الإشتياق، وليالي الوحدة والبرد والألم، والتساؤلات الحائرة التي لا إجابة لها.
لا يعلم المُّكالمات الطويلة التي كانت تحدُث بيننا فأجذبها للحديث عن أي شيء، ثم فجأة يتحول صوتها لأنفاسٍ ضعيفة وهي تتساءل "لماذا هجرني" فأبدأ معها شوطاً جديداً من أشواط النسيان ..
لا يعلم كيف تبدّلت صديقتي من قلبٌ مُحبٍ للحياة إلى قلبٍ يتمنى المَّوت في كل لحظة، شخصٍ كاره للعالم، وكافرٍ بالحُب.
هو لا يعلم أنه عندما بحث عن بديل عنها بأخرى، وبصداقاتٍ جديدة، كانت هي تخضع لجلسَّات العلاج الجمَّاعي فتزداد غُربة وحيرة، لا يعلم بكاؤها عندما كانت ترى أحواله جيدة بدُونها، وهي تُراقب من بعيد، وهي تقرأ أحاديثهُم الأخيرة، وهي جالسَّة على طاولة مكانهم المُفضل تنظر للكُرسي الفارغ أمامها، وتشرب من كأس الوحدة على مهلّ، ثم تعود لي في أخر اليوم مُنهكة، ثم أبدأ معها شوطاً آخر من أشواط النسيان ..
أخبرني في أخر الرسالة أنه يريد أن يعتذر منها على الوقت الذي مر عليها بدونه، وأقسَّم لي أنه سيعُوضها، يُريدها أن تنسى وتغفر له خيانته الغير مُبرره، وأن تمنح له الثقة من جديد!
يقول أنا لستُ ملاكاً ولا قديساً، نعم هو ليس ملاكاً ولا قديساً، فلمَّاذا يُريدها ملاكاً أو قديسَّة، الغُفران فقط لله، والخذلان سمة البشر، الله لا يخذلنا أبداً، فقط البشر يفعلون، وخصوصًا الأقربون منهم، كلمَّا قرُّبت المَّسافة كلمَّا كانت الضربة أصوب، كلمَّا كان الشخص عزيزاً، كلمَّا تركت الضربة علامة لنْ تُنسى أبداً.
صديقتي على أعتاب النسيان، بل تداوت وتعافت، الطبيب نصحها بأن نصف التشافي بأن تصنع ذكرياتٍ جديدة، فتركت البُكاء على الأطلال، وأصبحت تُغني وتكتب وتسافر هُنا وهُناك، تحضر حفلات، تصنع صداقات، ونجاحات، وتصالحت مع نفسها أكثر ..
ركلت كل ما تبقى من ذكرياتها بقدم وبالأخرى تخطو إلى حُبٍ جديد، حب ليس فيه خذلان ولا إشتياق ولا عذابات، حب الذات، الذات التي هي أولى بالحُب عن سارقون العمر والأحلام ..
ربما قطعت من الوقت والجهد الكثير لتعود، الخذلان ُيبدد الرُوح والعمر ويهلِك كل ما فينا، ولكن ليس هناك شيئًا آخر يُعلمنا كيف نكون أقوى إلا هو، وليس هناك شيئًا آخر يجعلنا نؤمن بأنفسنا أكثر إلا هو، بعد كُفر المقربون بنا، وبعد أن كانوا كل إيماننا ويقيننا على الأرض
الآن ..
أصبح نهارها أفضل عندما أصبح خالياً من إنتظار رسائلك الصباحية، وليلها أكثر سحراً طالما في صُحبة الموسيقى والقمر، وأشخاصاً رائعون.
بورسعيد | يوليو ٢٠١٧
تعليقات