التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اليوم العالمي للتطوع

دون سابق إنذار؛ ودون إشارة من السماء أو الأرض؛ قررت إرتداء غطاء الوجه -النقاب!


كان قرارا من القلب؛ إممم لتصح الجملة أكثر؛ كان ميلا من القلب!


القرارات يصنعها العقل لا القلب؛ وحده العقل يعد مقادير القرار ويتركها على نار هادئة حتى تنضج!


إرتديت النقاب؛ لكنه لم يرتديني على مدار ثلاث سنوات!

لم ولن أستطيع أن أقول أنني كرهته؛ أو كرهت التجربة؛ بل أدين بالفضل لسواده؛ ولسنوات التجربة "الصعبة"


النقاب جذب لي خيرا وفيرا وأمورا أخرى ساقت لي الأذى والكثير من الألم!


النقاب مجرد رداءا ليس تاجا على رؤوس الأميرات؛ أو يجعل من أخرى مميزة عن سواها!


إرتديت النقاب وحدي وبلا سبب؛ ورفعته عن وجهي لأكثر من سبب ..


لكن جعلني أبحث في أمور ديني؛ فقط كان هذا هو الدرس المستفاد!


تعطلت كل حواسي وقت إتخاذ القرار؛ وإختنق عقلي من عذابات التفكير؛ الذي سلط الأرق الليلي علي ومن ثم عدم النوم؛ وبالنهار يضرب رأسي طواحين التفكير؛ مما أدى إلى هبوط دائم في ضغط الدم!


أملك قلب ماسي؛ تستطيع أن ترى ما في قلبي ببساطه؛ وبقلبي هذا أستطيع أن أرى ما في قلبك؛ ويسري تحت جلدك؛ ثم أغض الطرف عن عورات روحك؛ وكأنني ما رأيت ..


لست أهل للنقاب؛ أنا لا أطيق أن أخفي هويتي وحديث ملامحي؛ والجميع حولي عاري! 


ولا أطيق إخفاء ضحكي وبكائي ومكري وسذاجتي؛ شعرت للحظة أنني أقبر وأنا على قيد الحياة ..


أذكر مرة كنت بين حلقة من الزميلات؛ قلبي يعتصر؛ وجسدي يبكي؛ بينما عيوني تبتسم؛ والحقيقة كان أمرا شاقا على نفسي؛ أن أدعي حال؛ وهو بعيدا عن أرضي ..


تعرفت على أشخاصا كثر؛ من هؤلاء الذين إذا صادفتهم في أول لقاء تعارف؛ سألوك انت سلفي ولا إخوان؛ ليحددوا من خلال الإجابة هل أنت إنسان عادي أم انسان برأس كلب مثلا؛ ثم حصلت على لقب أخت وكأنني حصلت على تأشيرة دخول للجنة ..


كنت لا أنتمي لفصيل؛ لدي مدرسة خاصة أنشئتها مع الوقت؛ كانت مدرستي هي أن أعمل على تحسين أخلاقي؛ وأدعم إنسانيتي؛ التي كدت أن أفقدها بفعل الهوان!


الدروس الدينية؛ ومواقع الوعي الديني؛ وإيميلات التوعية التي كانت تقتحم بريدي الألكتروني كل صباح لم تصنع مني قديس؛ ولا حتى إنسان متصل بروحه! 


وحده الإحسان الذي جعل قلبي آخف؛ ويدي أكرم؛ ووجهي أبسط؛ وسعيي للخير أنشط ..


تطوعت في دار رعاية المسنين وطلبت رعاية الحالات الحرجة على وجه الخصوص ..


تارة أترجل بين غرف المسنين الرجال وأتامل وأستمع لحديثهم المضحك الباكي؛ مهما تكرر الحكي بفعل النسيان؛ كنت لا آمل أبدا ..


وأخرى بين غرف النساء التي كانت تختلف كل الإختلاف عن غرف الرجال؛ أستمع لحديثهن المطعم بتوابل جدتي التي أفتقدها؛ فأشعر بالشبع ..


أخرج من هذه الغرف؛ شاعرة بصداع في قلبي؛ شددت على الإدارة التطوع للحالات الحرجة؛ التي كنت أعلم أنها أقل عددا؛ وبالتأكيد حرارة الألم ستصبح أقل وطأة على قلبي؛ كنت أظن هذا وعلى ظني الساذج وافقت الإدارة ..


حالتين فقط!


حالتين؛ لكن تعلمت على أثرهم أن الحياة مخيفة؛ والله أمانها؛ وأن الأخلاق قارب النجاة؛ والعطاء مجدافها ..


وأن كل ما ستقدمه اليوم؛ غدا سيعود أضعافا؛ فجعلت كل ما قدمته لوجه الله؛ ليعود لي في شكل قنديلا لينير دربي وقلبي بنور وجه الله ..


احداهن اسمها فاطمة؛ طلبت مني أناديها ب ماما فاطمة فاستجبت ظلت زيارتي لها متصلة دون إنقطاع؛ أذهب إليها فقط لأسمع حديثها؛ نقلب معا في ذكرياتها بملعقة خشبية؛ فتخرج من قلبها ما يدمع قلبي وما يضحكه؛ ثم أراقب خطوط وجهها عندما تتصل لتروي قصة أخرى لا تستطيع البوح عنها؛ لكن عيونها تبوح!


ثم أتت زيارتي الأخيرة عندما ذهبت دون ميعاد لألبي رغبتها؛ أن أجلب لها "بدرة نمل" بعد أن تحول جسدها لوجبة خفيفة للنمل؛ ينقنق فيه على مهل؛ وهي تتلوى في صمت ولا تملك الحركة ولو بالقليل ..


أخبروني بوفاتها بمنتهى البرود؛ وبخطوات ثقيلة عدت بظهري؛ وبأقدام تود ضرب الأرض رجعت داري؛ وفي يدي "زجاجة بدرة النمل" أنظر لها ببؤس وأبك من تحت نقابي!


قرأت الفاتحة من مصفحها الذي أهدتني إياه في أول لقاء دون أن تسألني انتي إخوانية ولا سلفية؛ والله حتى دون أن تعرف اسمي!


أذكر أنها في هذه الساعة قالت لي يا نهى 

نظرت لها بعيون واسعة وقلت: حضرتك عرفتي منين؟ 


قالت لي انتي اسمك نهى؟

قلت لها لأ بس في البيت والقريبين بيقولولي كدا ..


وماتت فاطمة دون أن تعرف أنني اسمي نهال؛ لكن كانت تثق في؛ روت لي ما لا يعرفه أحد عنها؛ وكشفت لي النقاب عن روحها الشابة وجسدها الشايب!


كلما تذكرتها أهمس لنفسي (يارب يكون الحكي دا فرج عنها شوية وتكون ارتاحت ولو شوية صغيرين) 


أدرك أن الدنيا دار فراق؛ ودار عمل؛ ودار سيرة وعلى هذه المفردات رسمت خريطة لحياتي قررت العمل عليها ..


كانت سعادتي وراحتي الداخلية تكمن في العطاء؛ أما الأخذ ولو كان من حقي ليس له عندي أي أثر؛ مجرد كيس هواء ..


ثم خلعت النقاب لأنني اكتشفت أنني أملك جناحين؛ وأتى الأوان أن أحلق بهما عاليا؛ لكن ظل التطوع يربطني بالأرض ..


تطوعت مرة أخرى في دار رعاية للفتايات وهناك كان عالم ألطف؛ وللمرة الثانية طلبت من الدار التطوع لعدد أقل؛ وتمت الموافقة سريعا ..


وبدأت رحلة التطوع ولا أعلم من منا كان متطوعا للآخر هل أنا؛ أم هن!


أصغرهن عمرها ثلاث أعوام؛ وأكبرهن ثمان عشر عاما؛ بين الطفولة والمراهقة وأعتاب الشباب؛ عالم مسل ومتعب؛ رقيق وقاس؛ شفاف وغامض؛ عطش للين لكن يلزمه الحسم!


عالم البنات كان يليق بي؛ فلدي صبرا أحباله طويلة؛ ولدي بئرا عميقا يقذف به السر ليتحول للا شيئ؛ ولدي حكمة لحل المسائل البناتي؛ التي إن لم تحسم من أول لحظة ربما تتحول للعنة تطاردها مدى الحياة ..


كان شغلي الشاغل أن أبث الأمان في قلوبهن؛ وأوقظ الضمير فيهن؛ وتعزيز أخلاقهن بالحواديت والفن؛ تعلمن الرسم وقواعد اللغة وحفظن القليل من آيات القرآن؛ وكتبن شعر ورسائل محبة وامتنان؛ وإتفقن جميعا على عقد اتفاقية غفران لكل من قذف بأجسادهن الصغيرة إلى الدار؛ لأنه بالفعل لم يقصد الخذلان أو الإساءة لهن؛ بل أحسن لهن دون أن يدرك؛ ربما فيهم من كان مخذولا؛ وأراد الإتكاء على جدارا؛ فكانت الدار متكأ له ..


مع التطوع؛ شعرت بإنسانيتي تتنفس؛ وشعرت بالعبادة المتواصلة؛ التي خلقت عالما جميلا هادئا ليس له دوافع إلا النبل والتساو بين الناس بل رفع شأنهم عن شأني.


التطوع أخذني من فم الجهل بديني؛ وجعل عقلي وقلبي في حالة تصالح دائم؛ وصنع لي كوكبا خاصا ينعم بشلالات من السلام .. 


لا تستصغروا من المعروف شيئا؛ فكل الصغائر تتضافر؛ وتصير سنابل؛ تنساها أنت؛ ورب الإحسان لن ينساها أبدا؛ يعود لك بها في ليلة مقفرة ..


بورسعيد | ٦ ديسمپر ٢٠٢١ 









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو