كُنا صِغاراً ننتظر القطار بلهفه، نُراقبه من بعيد حتى يقترب، يقفُ دقائق معدودة على رصيف الإنتظار، فيجري نحوه زُملائي بخطواتٍ مجنونة وضحكاتٍ بريئة .. فتايات وصبيان فارحين بإنتهاء الإمتحانات والسهر وعناء السفر طوال العام كانوا يتزاحمون من منهم سيركب أولاً، ليجلس بجوار النافذة ويُراقب الطريق ويُداعب الهواء ويحكي للنجوم قصصه القصيرة .. أما أنا لا أزاحم احد ولا أركض، كنت أركب بهدوء وعلى وجهي إبتسامة صافية وعلى ظهري حقيبة مُحملة بثيابي وأدواتي وأحلامي الصغيرة وبعض رسائل أرسلتها لي بين طيات كتاب، وفي قلبي حنين أن أجلس بجوارك .. أعلم أنك تنتظرني، رأيتك من خلف زجاج النافذة وأنت تبحث عني بينهم بنظرات صِبيانية وبيدك كيس من الحلوى وقطع الشيكولاتة التي أٌحبها وباليد الأُخرى ورقة الإمتحان، كان آخر يوم لك في الإمتحانات وكُنت أنا كذلك .. كنت مُتعبة وُمرهقة وكنت أُحبك جداً، ركبت القطار وكان الزحام حولي يخنقْ الحميع إلا أنا .. لا شعرتُ بزحامْ ولا بعناء سفرٍ طويل ما دُمت أنت رفيقي .. جلستُ بجوارك في المقعد الخالي، وإستندتُ على ذراعك وغفوتُ في أمان حتى وصلنا إلى الوطنْ .. بورسعيد |١٧ أكتوبر ٢٠١٦