التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من 2023

حديث ذات ٣٨

ينقر المطر بحباته على زجاج نافذتي، فأقفز من سريري وكأن أحدهم يناديني، أفتح نافذتي على مصرعيها، وأنا حافية القدمين، يلفحني الهواء البارد، يطير شعري، يطير قميصي، فيشف ما تحته، أنظر للسماء، فتهبط دموعها على وجهي، فلا أعرف هل هذا بكائها أم آثر بكائي .. أراقب النجوم وهي تبهت، تظل تبهت حتى أظن أنها تحترق، أنظر للقمر وكأني أرجوه أن لا يختفي، ف ليل الشتاء طويل وبارد وليس هناك من يقاسمني قسوته. أطل بنظري لبعيد لأري الثلاث شجرات، بعد أن أصبحن عاريات من أوراقهن، يقفن في خشوع وكأنهن في صلاة طويلة، رغم الحزن والأسى الذي يبدو على جذوعهن .. أسمع بكائهن، وأشاركهن أحيانا، فأنا يوما ما كنت شجرة، قبل أن ينبت فوق ظهري جناحين .. بكاء الشجرة مؤلم، أن تمر من جوارها، أو تستند عليها، أو تنقش عليها أسم من تحب، أو تأتيها الطيور من كل مكان لتنسج بين فروعها عش صغير لفراخها وتعود لهم في المساء .. ثم يأتيها أحدهم دون حق الرفض أو القبول منها ويسلبها حق الحياة، ويبتر عروقها من الأرض .. أنظر للقمر من جديد، عاد كطبق من نور، وكأنه اغتسل بالمطر، والنجوم أصبحت أكثر اقترابا، وكأن بيني وبينها أن أقف على أطراف أصابعي، ولكني ا

بنفسج ٣

  بنفسج | مارس ٢٠٢٢

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

بنفسج ١

تجذبني من أطراف ثيابي، فأنظر لهذا الكائن الذي لا يتجاوز طوله رُكبتي، ثُم أجلس في وضع القُرفصاء ليتساوى الطول بيننا، وتقترب المسافات. چنة، اِسمُها چنة، طفلة جميلة، خفيفة الظل، وليست مُطيعة، عنيدة، ذكية، ومُشاغبة .. وللحق أنا أُحب الأطفال اللذين نقول عليهم "أشقياء" إن جئنا للحق نحن الأشقياء، المُتعِبين، المُتعَبين، لكن هم رُوح المكان، رُوح العالم بآسره، صوت الملائكة آينما حلّت في أي بقعة على الأرض. طلبت مني چنة أن أُهاتف أُمها، لتحضر حفل عيد ميلادها، لقد اشترت لها "چنة" كارتاً مكتوب عليه بخطٍ مرتعش "بحبك ياماما". طلبتُ من چنة أن تمنحني الوقت وتصبر قليلاً، عقدت حاجبيها ووضعت ذراعها الصغير على خصرها وردت "لحد امتى". ابتعلتُ ضحكتي، فأنا مُعلمتها ويجب عليَ أن ألتزم بالقليل من الحزم، أنا أُحاول طوال الوقت، لكنني أريد ان أخلع رداء الكبار وأركض معهن حتى أرتمي على الأرض مثلهن. كذبتُ عليها وأخبرتها أنني اتصلت بالفعل بأُمها، وأنها ستحضر، لكن الحقيقة أن أُمها إعتذرت عن الحضور، وأخبرتني أنها لن تحضر مرةٍ ثانية، لأن زوجها رافضاً أي إتصال بشيئ يُذكرها بزوجها الأ

حديث ذات ٣٧

غزلت من الصبر، ثوبا أنيقا، يحسدني عليه المقربون، هم لا يرون تلك القروح التي أصابت روحي، ثوبي لا يكشف ولا يصف، وطبقات قلبي رقيقة، تمزقها كلمة، ورغم رقتها، يستطيع قلبي أن يصبر من جديد، وكأنه لم يصبر من قبل، فيعود ويغزل أثوابا أجمل .. هكذا دائما، كلما زادت حمولته، وقرب صبره على أن يفرغ، صنعت ثوبا جديدا، يليق بي، وبمقاسات روحي .. ١٣ نوڤمبر ٢٠١٨ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو

حديث ذات ٣٦

كُنا صِغاراً ننتظر القطار بلهفه، نُراقبه من بعيد حتى يقترب، يقفُ دقائق معدودة على رصيف الإنتظار، فيجري نحوه زُملائي بخطواتٍ مجنونة وضحكاتٍ بريئة .. فتايات وصبيان فارحين بإنتهاء الإمتحانات والسهر وعناء السفر طوال العام كانوا يتزاحمون من منهم سيركب أولاً، ليجلس بجوار النافذة ويُراقب الطريق ويُداعب الهواء ويحكي للنجوم قصصه القصيرة .. أما أنا لا أزاحم احد ولا أركض، كنت أركب بهدوء وعلى وجهي إبتسامة صافية وعلى ظهري حقيبة مُحملة بثيابي وأدواتي وأحلامي الصغيرة وبعض رسائل أرسلتها لي بين طيات كتاب، وفي قلبي حنين أن أجلس بجوارك .. أعلم أنك تنتظرني، رأيتك من خلف زجاج النافذة وأنت تبحث عني بينهم بنظرات صِبيانية وبيدك كيس من الحلوى وقطع الشيكولاتة التي أٌحبها وباليد الأُخرى ورقة الإمتحان، كان آخر يوم لك في الإمتحانات وكُنت أنا كذلك ..  كنت مُتعبة وُمرهقة وكنت أُحبك جداً، ركبت القطار وكان الزحام حولي يخنقْ الحميع إلا أنا .. لا شعرتُ بزحامْ ولا بعناء سفرٍ طويل ما دُمت أنت رفيقي .. جلستُ بجوارك في المقعد الخالي، وإستندتُ على ذراعك وغفوتُ في أمان حتى وصلنا إلى الوطنْ .. بورسعيد |١٧ أكتوبر ٢٠١٦ 

حديث ذات ٣٥

بعض الليالي تأتي وكأنها صدى صوت وضوء لليالٍ أخرى؛ كانت في الماضي البعيد؛ فتنقسم الصورة أمامك إلى صورتين قبل وبعد! وفيما بينهما أيام وليال أخرى؛ ساعات ليلها أطول؛ وشمسها كنيران عدو؛ كان جسدك فيها بريئا؛ لم تدهسه خطوات العابرون؛ وقلبك عذري لم يلمسه إنس ولا جان؛ وعروقك مرسومة كسنابل القمح تزين جسدك البض. لكن تأتي الليالي تلك؛ تضعك بين فكيها كاللقمة؛ فتذوب نضارتك ورقتك وينطفأ بريقك وتتشابك سنابلك ثم تُمزق؛ ويتحول جسدك البض إلى خريطة ألم؛ تلك هي أفاعيل الليالي الأولى .. وتأتي صداها بعد سنون طويلة؛ لتذكرك بهزيمتك الأولى .. فتهمس لها ساخراً؛ لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها. ثم تُحدث ذاتك: ما أشبه اليوم بالبارحة! هنا القاهرة  ١٤ أكتوبر ٢٠٢٣

الإمتنان اليومي ٢

منذ فترة قصيرة؛ ضبطت الهاتف على تذكيري بساعة محددة يومياً لتفعيل قيمة الإمتنان اليومي؛ قيمة تجعلني أتأمل يومي باحثة عن النعم والفرص والهبات التي منحها الله لي دون أن أستشعر قيمتها؛ فأجدني كل يوم ممتنة لنعمة جديدة؛ هي في الأصل ثابتة في وليست بجديدة؛ لكنه التعود الذي أعمى القلب وجعلته لا يرى بوضوح؛ فنحن غارقون في النعم؛ تتقلب أجسادنا وأرواحنا في شلالات من النعم؛ دون أن نلاحظ! اليوم أنا ممتنة للورود التي اختصرت علي الكثير من البوح؛ وكل مرة ترفع عني عناء الحديث؛ ممتنة لعم مجدي الذي يشاركني الإهتمام بقبر بابا؛ وممتنة لله الذي منحني الكثير من النعم دون أن يلوي كرامتي وعايرني بمساندته أو طلب مني شكراً أو رداً للجميل؛ لأنه هو سبحانه أصل الجمال في الأرض والأشياء وفينا ..  اللهم إمتناناً لا ينقطع اللهم علمنا دون أن تحرمنا. ٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - بورسعيد 

الإمتنان اليومي ١

إمتنان اليوم وكل يوم لله؛ الذي يمنحنا مع كل صباح ثوبٍ جديد؛ اليوم سأرتدي ثوب يليقُ بالصباح الرائق؛ وهدوء مدينتي؛ وبيوم أطلقوا عليه اليوم العالمي للإبتسامة .. نعم سأرتدي ابتسامة! للإبتسامة سر في حياتي؛ دائماً وأبداً على مر سنوات عمري يلاحظون الناس ابتسامتي الواسعة؛ أنا أبتسم من قلبي؛ لم يحدث في حياتي أنني ابتسمت لمجرد إن الصورة تطلع حلوة! الإبتسامة فِعل قلبي؛ والقلب لا يجيد فنون الزيف والخداع؛ أو ربما قلبي أنا؛ قلبي الذي أجهده الإبتسام وقت السعادة ووقت الآسى؛ وقت الإنتظار ووقت الوصول؛ أما وقت الألم فله ابتسامة خاصة! ابتسامة الألم؛ ستجدها بعيون دامعة؛ ربما تكون شفتاي أقل انفراجا؛ وهنا تستطيع أن تتخيل ملامحي نص بيضحك والتاني زعلان! لكن رجاءً عندما تراها تجاهلها؛ إياك ومحاصرتي أو رشقي بسؤال مالك! امتنان اليوم لله الذي ألهمني الإبتسام في كل أوقاتي؛ وجعلها سهلة وقت الصعاب. الحمد لله الذي جعل آية  "وضحكت فبشرناها" قنديلا لطريقي وبيانا ووعدا صريحا بأن مع الضحك بشرى ومع الإبتسامه صدقة ومع العسر يسرا. تبسموا رغم كل شيء؛ فإن الله يحب أن يرانا سعداء. ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٤

الحياة كتاب؛ بل مجموعة قصصية! تظن أنك قارئها؛ ولكن الحقيقة أنك البطل والمؤلف؛ لكل قصة .. كل يوم حال مختلف؛ شعور مغاير؛ درس مستفاد؛ ظالم مرة ومظلوم مرة؛ تظن أنك مع مرور العمر تتأكل نفسياً ثم تهرم وتشيخ .. لكنك تنسى أنك أصبحت صاحب خبرة وصاحب معلومة وأهل للنصيحة؛ وخرجت من مربع المفعول به إلى مربع الفاعل .. ؛الآن أنت قوي متين؛ رحيم القلب؛ لين الطبع؛ واثق من نفسك؛ راض عن ماضيك؛ وتستقبل الأقدار برضا وثبات؛ فلا تخفض رأسك؛ بل ارفع لذاتك القبعة .. بورسعيد | ٨ أكتوبر ٢٠٢٣

"وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"

 صباحي اليوم من بورسعيد  اليوم نويت زيارة بابا؛ فذهبت كعادتي لبائعة الورد أطلب باقة من أربعة ورود بلدي؛ كانت الفتاة تختار الورد بعناية عجيبة؛ ثم ضمتهم وعقدتهم بشريطاً أسودِ اللون!  دون أن أخبرها أن الورد لحبيب نائم منذ ستة عشر عاماً .. الشمس اليوم هادئة الحرارة؛ والهواء لطيفاً والشوارع هادئة؛ طقساً رحيماً يليقُ بقلبٌ مُلتاعٌ؛ أتعبه الغياب! يمر سائق التاكسي على مقابر الشهداء؛ فأطل برأسي من شباك التاكسي مدققة النظر على المقابر ثم همهمت بالفاتحة سراً وما أن اِنتهيتُ من التلاوة والدعاء؛ حتى وچدت نفسي أمام بوابة المقابر التي ينام بها بابا. ترجلتُ بهدوء حاملة باقة الورد في ضمة يدي؛ أحدث ذاتي! هنا يسكن الجميع؛ وهنا سأسكن أنا .. وذهبت أسأل على العم مجدي صديقي الذي يعتني بقبر أبي في غيابي .. وچدته بعيداً ينظف أحد المقابر ويروي زرعه؛ رآني فهرول نحوي متبسماً وقال أم الخضر حمد الله على سلامتك. وانطلق ليعد عدة النظافة؛ وأنا بجوار بابا أنتظره؛ أراقب آثار غيابي على المكان؛ لقد مات الكثير من الزرع ويبدو أن هناك زرعاً جديداً؛ المكان فعلاً به الكثير من التغييرات!  أنا أعتني بقبر بابا وكأنه بيته؛ حجرته؛

عندما كُنَّا صغاراً كُنَّا أجمَّل

نعلمُ حقيقة الحياة فلا نكترثُ لها .. نضحك ضحكاتٍ عالية، فتظهر تلك الأسنان الغير مُكتملة النمُّو، نفترش الأرصفة ورُبمَّا نسير حُفاه، ولا يهم! نرتدي ما لا يليقُ، ولا يلُوم علينا من يلُوم، لأننا ُكنا صغاراً .. كُنا صغاراً بقلوبٌ كبيرة، لا نتشاجر على الدنيا، ولا نختلف على رأي، ولا نتنافس على اللا شيء.. حقيقة الحياة يعلمُها الصغار أكثر من الكبار، كُلمَّا كبِرنا - كُلمَّا كبِرت الدُنيا في قلًوبنا وتعاظمت، كُلمَّا بلغنا من السنين سنينا - كُلمَّا حرصنا على قانون البقاء. ولا أحد فينا يعلم أن البقاء دائمَّاً فقط للأجمَّل. ٢٧ سبتمبر ٢٠١٩ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٣

تُناديني أُمي من بعيد، تُلوح بيديها تاره يميناً وتاره يساراً، فأُحاول أن أستجيب لرغباتها المُستحيلة، لكن تأتي الأمواج بما لا تشتهي "ماما" .. تجذبني الأمواج بعيداً عن الشط، فتقترب وتشاور لي بغضب أن أخرج للبر ..  أضحك بصوت عال وأقول وكأنها تسمعني "هو أنا صغيرة يا ماما" .. أُرسل إليها توسلاتي بأن تصبر قليلاً، فلا تصبر، تُلح عليّ وتنظر هُنا وهُناك على من يُساعدها في اقناعي للخروج .. وأنا لا أُبالي، أعود بظهري للأمواج، أغطس برأسي وثقل جسدي، وأترك روحي تذوب، الآن لدي الفُرصة الكاملة أن أبكِ دون أن يراني أحد، أن أتحدث للسمَّاء وللبحر، أن تخرج مني دُموعي المَّالحة فتذوب مع البحر ورُبمَّا لا تعود .. فُرصة أن أهدأ، أن أتحرر، أن ألهو بالموج، مِثلمَّا يلهو بي .. يجذبني البحر للداخل، للداخل جداً، أبتعدُ عن أُمي، ليس الآن بإرادتي، أنظُر إليها فأرى حجمها صغير لا أعلم هل القلق علي إبتلعها، أم زادت المسَّافات بيني وبينها، هي على الأرض ثابته ولكن الخوف يقتلها، وأنا في البحر أُوشك على الغرق، ولكني لستُ خائفة. الموج ثائر، والشمس البُرتقالية أرسلت اشاراتها الدافئة بأن يخرج الجميع، حان م

حديث ذات ٣٢

لست خبيرة ترتيب؛ ولا مدربة حياة؛ ولا مرشدة نفسية وروحانية؛ أنا جميعهم! دون عقد نية أو تدريب أو إلتزام بورش إعداد؛ لأنني تركت نفسي للحياة تفعل بي ما تشاء؛ مضغتني وبلعتني بشربة ماء؛ فدفعتني في معدتها المظلمة؛ ثم ضربت بكفها الباطش ضربتين على بطنها لتعلن إنتصارها علي؛ ضربة على قلبي؛ والأخرى على رأسي؛ أنا يا أصدقائي لازالت هناك؛ في جوفها عالقة! في ذلك المكان العتمة؛ البقاء فيه مرهق؛ والخروج منه أشد إرهاقا! لكنني رغم إرهاقي هذا؛ أخرج لها لساني لأخبرها أنني أستقبل ضرباتها بسخرية؛ لا أتعمد العناد أو الندية؛ أنا معجونة به! بالأمس اشتهيت أكل الجاتوه؛ ذهبت لإحدى محلات الحلويات الشرقية؛ وقفت أمام المبرد أنظر لقطع الجاتوه وهي تدور ببطء بداخله؛ كأنها بالرينا .. جاءني أحدهم؛ كان رجلا بساما؛ يبدو لطيفا وطيب القلب؛ يفقه صنع الحلوى والكلمات .. -أؤمريني يافندم. ثم نظر لي وقال: انتي شكلك زعلانة؛ سبيني اختار لك؛ ثم فتح المبرد وأخذ يختار وعيونه لامعة ومبتسمة .. أظنه كان سعيدا لسببين؛ لأنه يعمل ما يحب وبشغف؛ وأيضا يساعد بشغف! اختار لي أربع قطع؛ كل الأشياء الدافئة تتكون من أربع قطع؛ أربع أجزاء؛ أربع أفراد؛

أنت ما بين الأمس واليوم

سيأتي عليك وقت تُحب فيه الرُمادية رغم كل شيء، ستعتزل التطرف والألوان والضجيج، ستتوقف عن التعصب لأراءك أو لذوقك أو لفريق الكرة المُفضل لديك، ستتحول وجباتك إلى ثمرات من الفاكهة المُفضلة، ورُبمَّا الغير مُفضلة، ستترك أكل الشيكولا مهما كانت مُغرية، فأصبح المُهم لك الآن أن تلتزم بوجبات أكثر صحية. أنت لست مريض، ولا بلغت الشيخوخة، ولا تتنافس مع أصدقاءك من أجل خسارة بعض الكيلوغرامات،  ستصمت وبرضا تام، وستترك الثرثرة، ستسكن العزلة أو رُبمَّا ستسكنك رغم ضجيج العالم من حولك، فلن تسمع منه شيئاً، لن تسمع أبداً إلا تلك المُوسيقى التي تخرج من صدرك، ستتقن حُبك لذاتك، وستحب الآخرون أيضاً، ولكن ترتيب الأولويات أصبح شعار حياتك. ستعتزل القهوة وستبدلها بمشرُوب أكثر عذوبة، أقترح عليك مشروب اللافندر والكاموميل، فهو يساعد على الإسترخاء الذهني والجسدي، ويترك لك حالة مزاجية رائعة، والأهم أنه لا يضر بصحتك، أعلم أنه لا بأس من فنجان واحد من القهوة في الصباح وأعلم أنه لا صباح إلا بالقهوة، ولكن تغيير العادات من وقت إلى أخر وخاصة لو كانت من سيء إلى أفضل شيئاً رائع ويستحق التجربة. ستحاول أن لا تسهر حتى ولو بصُحبة كتاب

حديث ذات ٣١

أنا أشبه البحر، يهدأ ويثور وحده، يحمل أسراره في قاعه المظلم، يتمنى الكثير لو كان يجرؤ على الغوص إلى قلبه، ليكشف ما تحت زرقته، لكنهم يخشون من الغرق .. يكتفون بالوقوف بعيداً؛ ليسترقوا النظر إليه، ويحاولون فك طلاسم أمواجه، ودائماً دائماً لن يفلح أحد. يدركون أن قلبه واسع وبلا أرض، يحمل الكثير من الأسرار والعوالم، والأصداف واللؤلؤات الحية، تموت فقط إن أمسك بها أحدهم .. يد البشر تجيد الإفلات بعد انتهاء الشغف بالأشياء وربما الأشخاص .. يدرك البحر أن لؤلؤاته تموت إن تركته وخرجت للنور، ورغم حزنه لن يبخل! البحر يطفئ غضب القلب، لكن لا أحد يعلم ما في قلبه، الجميع يأتيه من كل فچ عميق، ليلق بخيباتهم وانكسارتهم، ويرحلون بهدوء .. ويتركون ضجيجهم في قلب البحر، ويبدأ ضجيج أخر، لكن في قلب البحر المسكين .. يكتفي البحر بأن يمنح العالم مزاجاً رائعاً ولونا بهيجا، ويخرج من خير قلبه لمن حوله، ويعود وحيداً ..  تهدأ أمواجه بالليل، عندما تبتعد الأقدام بعيداً عنه، وترسل النجوم قبلاتها الناعمة له، فيسكن، ويخلع عنه رداؤه الأزرق، ويبدله بأسود حزين، يليق بقلب لن يفهمه أحد على سطح الأرض .. بورسعيد | سبتمبر ٢٠٢١

حديث ذات ٣٠

كُنت في الصباح، وكُنت أُعد لنفسي "مج" من القهوة السوداء، بحثتُ عن مجي الخاص فلم أجده، فأنا دائماً أحتفظُ به بعيداً عن متناول يد الجميع، لشدة حرصي عليه. سألتُ أُمي، أخبرتني أنه سقط على الأرض وتبعثرت أجزاءه، ولم يتبقى منه إلا غطاؤه الخشبي، صمتُ وهززتُ رأسي ثم بحثتُ عن آخر، بعد ما رأيت نظرة الحزن تعلو ملامحها .. ولكن حينها، علمتُ أننا لا نملك الأشياء إلى الأبد، وليس هُناك شيئاً يعيش للأبد، مهما حرصنا على بقاؤه! لا أحد يعلم قدر هذا "المج" بالنسبة لي، لم يكن هدية من أحدهم، أو تذكار من حبيب أو صديق رحل، هو هدية من نفسي لنفسي، هو طبطبة على كتفي من كفي في وقت كُنت أحتاج فيه للدعم، ولكن فيمَّا يبدو أن دوره في حياتي قد انتهى! مُنذ سنوات ضاعت نظارة أبي الطبية ولم يبقى لها أثر، كنت أُحبها جداً، كانت هي النوافذ الصغيرة التي تطل منها عُيون حبيبي، اختفت دُون اشعار، ودُون أن تترك شيئاً منها لأتلمّس فيه الصبر.. نعم أعشق أشياء أبي وأراها جُزءً منه، من شخصه، ومن قناعاته، من ذُوقه، ومن تفكيره، ولكن لكل شيء عُمر مُحدد، ينتهي بإنتهاء دُوره، ظللت أجلس ليالٍ طويلة في حضرة كُتبه، وأقلامه، و

عزيزي ٣

هل أخبرتك بأنني أتغير؟  أميل إلى الهدوء أكثر، أفضل الصمت والسكون والجلوس وحدي، أكره الزحام وأكتفي بضجيج قلبي، والفوضى التي لا تهدأ بداخلي. توقفت عن أكل الحلوى واللحوم، وأصبحت نباتية أكثر، وأصبحت أبك بدون دموع وبدون أن يشعر بي أحد .. بالأمس .. الأمس البعيد .. كنت لا أبك إلا وأنا أضرب بقدماي الأرض ك الصغار، فلا أنال إلا غضب جسدي مني فيضربني بطريقته، ويظل يؤلمني فترة طويلة .. تبدلنا المواقف وتجعلنا أشخاصا آخرون، أكثر نضجا، أكثر صلابة، وربما أكثر قسوة، قسوة تنقذنا من الخذلان، الإنسان لن يخذل إلا مرة واحدة، والقلب لن ينكسر إلا مرة واحدة - مرة واحدة وبعدها يصبح واعيا لدرجة الألم .. أود الحديث معك عن هذه المرة، لألقي عند أعتابك كل الألامي ربما أبدأ من جديد .. أريد أن أحدثك عن آخر رواية قرأتها وكيف كان البطل عذبا، ونهاية أخر فيلم شاهدته عندما أنتصر الخير على الشر، أود أن أعرف منك هل البقاء للخير فعلا حتى ولو كان ضعيفا؟  أشتهي أن أروي لك كيف كانت أخر رحلة سفر وكيف كانت شاقة ولكني كنت حرة، حرة ك العارية، ك حافية القدمين .. أشتاق للجدال الذي لا ينتهي دون ترقب للوقت، أظل أراقب ملامحك، شرود عيناك،

حديث ذات ٢٩

أشعُر بالخريف، يقترب نحوي بخجل، يترك على خدي قُبله باردة، ويُدغدغ في قلبي ببعض حنين ..  أنظُر إلى الأشجار، لازالت بحُلتها الخضراء، تتمايل أوراقها بحُزن رقيق، تدنو مني، فأقف على أطراف أصابعي لألمسها، أُفكر في نزعها، فأذكر نفسي بالماضي البعيد، عندما كُنت طفلة، كانت تجذبني الزهور، فأُحاول نزع واحدة، فتُوبخني أُمي بكلمات رغم رقتها إلا أنها تركت في قلبي رهبة، ورعشة سرت في صدري خوفاً مِمَّا قالت ..  - تحبي حد يجي ياخدك مني؟ بعيونٍ حائرة ويدُور في رأسي الصغير استفهام، ما علاقة سُؤالك يا أمي بما فعلت! ثم أجيبها: لا  خلاص، لو قطفتي الوردة كل الورد اللي حواليه هيزعل ويموت!  يموت! يموت! يموت! نعم، هذا هو أكبر مخاوفي في الحياة، المَّوت، الذبُول، الوداع، الفراق ..  النهاية دائمًا تُقلقني، وتقسم قلبي نصفين، حتى لو كان قلبي لم يعد في المهد صبياً، لم يعد بكراً، لم يعد بكامل عافيته! لكن يظل في القلب شيءٌ يتجدد مع كل فصل، أقصد مع كل قصة! رُبمَّا الأمل، أن الحياة تدبُ فيه من جديد، وأن الربيع يظل في أرضه لا يرحل، وأن لا تتساقط أوراقه وتتعرى غصونه، وتذبُل نياطه، فنمُّوت! الحُزن يُميت، والحُب يُميت، والورد

حديث ذات ٢٨

أحاول أن أترك نفسي للنوم؛ جفوني ترفض أن تستسلم؛ وعقلي يكرر المشاهد اليومية؛ وقلبي يبوخني ويذكرني بأنه أصبح لا يطيق السهر .. بينما جسدي متراخ؛ يريد أن يسقط حتى الصباح؛ ويظل ساكناً دون حراك؛ أظل في هذه المعركة بعض دقائق؛ ثم أنظر لضوء المطبخ الذي مد خيطه إلى حجرتي وأبتسم؛ كأنه أراد أن ينبهني بأن الحل عنده؛ أقوم من فراشي وآترجل للمطبخ بكسل؛ لأبحث عن حيلة طيبة لفض هذه المعركة دون خسائر .. أريد أن أنام؛ وأن ينام كلي معي؛ لا أريد خسائر أو هزيمة لبعض مني على بعضي الآخر .. سأعد خليط من الأعشاب المهدئة وسأتركها تمتزج على نار هادئة؛ وسأكشف غطاء الأبريق ليترك رائحة العشب تذوب في صدري ربما يهدأ .. منذ فترة وأنا شغوفة بالأعشاب؛ يأخذني الفضول مرة للبحث عن حل لمشكلة صحية لأجد أن الدواء متاحاً في أرفف العطارين منذ زمن .. جربت أكثر من مرة في أكثر من علة؛ ونجحت التجربة؛ وتجربة الليلة أثق أنها ستنجح؛ فرائحة الأعشاب فعلت فعلتها السحرية؛ وعيوني بدأت تستسلم . بعد دقائق معدودة سأنام؛ وغداً سأبحث عن خلطة سريعة لعلاج أوجاع القلب .. بورسعيد | ٢٧ أغسطس ٢٠٢٢ 

حديث ذات ٢٧

أقرأ منشورات العام الماضي وأبتسم نصف ابتسامة؛ وفي عيوني دمعة؛ وفي حلقي مرارة .. رؤيتي لم تتغير إلى حد كبير؛ لكن صدى ضحكات الأصدقاء اللذين كانوا هنا بالأمس؛ وضحكات من أحب؛ تعليقاتهم التي كانت تحمل معنى مبطن لا يدرك معناه كلانا .. روابط الأغنيات المفضلة لي ولهم؛ وصورا تجمعنا في أماكن محببة للقلب؛ ونصوص قصيرة كتبتها وأنا في حالة عشق وفراق .. وصديقة كان مقامها من القلب؛ القلب كله؛ تركت لي ذكريات بيضاء كسحابة ربيعية؛ تمر ببطء على قلبي فتقبض قلبي مرة ومرات تجعلني أتنفس .. عاما يجعل الإنسان يتبدل ويتغير ويبعد عن حاله أميال؛ ويظل يكابد حتى تنقطع أنفاسه؛ ويأتي عاما بعده يقذفه إلى بر الأمان؛ وعلى كتفه "شوال" الذكريات .. بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢١

حديث ذات ٢٦

 ( 1 ) كلما نويت الكتابة تشابكت أفكاري، وقفزت حروفي بعيداً؛ فيصيبني التوتر، وأغلق حاسوبي بغضب وأنام! وعند الفجر تؤرقني فكرة، كطفلا بجوار أمه يصرخ ليوقظها لتعطيه ثديها، أقفز من سريري لأدون أفكاري قبل أن تتلاشى مني، الكتابة مثل الحب تأتي دون نية ودون قصد ودون سابق إنذار ..   ( 2 )  كل صباح أتفقد صندوق البريد الخشبي، مازلت أراسل أصدقائي على الطريقة القديمة، أرسل لأحدهم رسالة على ورق برائحة الليمون لأخبره أنني بمزاج منتعش وأود أن أخرج معه في نزهه برية؛ أرسل أخرى إلى صديقة تسكن بعيداً؛ أكتب لها أنني حزينة ومتعبة، أكتبها على ورق برائحة الڤانيلا، دائما الڤانيلا توقظ فينا الحنين، وأنا أعاني حنينا لا ينتهي.  أراسل امرأه عجوز تسكن في حي قريب، من الممكن زيارتها في أي وقت، لكن الفعل الأقرب إلى قلبي أن أكتب لها، أكتب لها حتى أبوح دون تحفظ وخجل رسالة قصيرة على ورق بمزاج الريحان، وهو أنني أشعر بالأمان، وقلما ما شعرت ..  يراسلني رجلاً كل مساء يكتب لي كيف كان صباحه، وكيف كان حلم الليلة الماضية، يطالعني جريدته، ويخيرني ألوان بذلة كل اجتماع، يطلب مني اسم عطر، لكنني آدعي بأنني لا أعرف، فأختيار عطر لأحده

حديث ذات ٢٥

مواقع التواصل الإجتماعي جعلت من حياتنا أضحوكة؛ ورفعت الستار عن حجرات بيوتنا؛ فكشفت عوراتنا؛ وبرزت أخطائنا؛ وحولت يومياتنا إلى مشاهد كوميدية سوداء؛ يسخر منها السافه والتافه والأقل شأنا .. ضغطة على زر ناعم تجعل كل من هب ودب يحصل على لقب صديق لك؛ وبنفس النقرة على ذات الزر تنتهي العلاقة وتتجمد .. أنا لا أعترف بعلاقات تتحكم بها الأزرار؛ ربما يجمعنا مزاج مشترك في فضاء هذا الكوكب؛ وربما تنمو العلاقة وترتقي لمكانة الصداقة -ربما- لست متأكدة! لكني أؤمن جداً بأن العلاقة التي تنتهي بذلك اليسر لم تكن صداقة؛ كانت من دواعي الرفاهية فقط؛ كان من الممكن الإستغناء عنها بمشاهدة فيلم في سينما أو تناول وجبة شهية غنية بالسعرات الحرارية .. ستغلبك السعادة وستلذذ بحلو مذاقها؛ وستتجاهل الفوضى التي حدثت في معدتك المسكينة لكن لن تندم أبدا؛ الندم لا يأتي إلا بمعرفة البشر .. بورسعيد | ٢١ أغسطس ٢٠٢٢ 

حديث ذات ٢٤

في بيت چدي لأُمي كان الدرج غير مُتصل، كان عمودياً ومُفرغ، فيأخذني خيالي بأن أُسقط قدمي من بين الفراغات وأتخيل نفسي عازفة بيانو، فتتنقل أصابعي الصغيرة بين هُنا وهُناك ثم أرفع يدي عالياً، وكأني انتهيت من معزوفتي، فأفيق على صوت جدتي وهي خائفة عليّ من السقوط، جدتي كانت لا تعلم أن من نبتَّ فوق كتفيه جناحين، لنْ يسقُط أبداً، يظلُ في سمَّاء خياله سابحاً، تكبر معه أحلامه وتتوّرد، لا شيء يقتُل الأحلام إلا التوقف عنها، ولا شيء يُجهض الخيال إلا الواقع. -في نفس البناية التي تسكُن بها چدتي، منزل مهچور لن يسكنه أحد، ولكن سكن به خيالي، وحُلم تمنيتُ يوماً أن يتحقق، عقدتُ النية بأن أصعد له دون أن يشعُر بي أحد وخصوصًا الكِبار، الكِبار سيتهمُّوني بالجنون، وبالفعل صعدتُ وكسَّرت الباب، وجدت المنزل بلا شواغل أيضًا، ولكن رأيت الصورة التي رسمتُها في خيالي ترتسم أمامي مرةٍ ثانية بصورة واضحة، سأحولها لمكتبة، نعم مكتبة، وسأضع كل ما أملُك من كُتب في كُل رُكن، وسأصنع رفوفاً وسأُزينها، ثم أضعُ عليها كل اللوحات الورقية التي رسمتها في حِصص الرسم، كان مُعلم الرسم علمني كيف أرسم كل ما يقفز في خيالي، ولا أتركه إلا وهو ص

حديث ذات ٢٣

تلحُ عليّ الكلمات لأترُكها تستريحُ على الورق، أن تتحرر من قيودي الغير مُبررة، أنام في ساعة مُتأخرة من الليل، بعد عِدة مُحاولات بائسة في أن أستجلب النوم ولكن لا فائدة، جسدي يُؤلمني، رأسي يُؤلمني، وقلبي أيضاً يُؤلمني جداً.  أضعُ يدي على قلبي، وأطلب منه أن يهدأ، ويستريحُ قليلاً وينام ولو بضع ساعات .. أتقلب على جانبيّ، وكأني مُمددة على أشواك، أو حصيرةٍ من نار، ليلي طويل، ونهاري شاق، وأنا أُفكر كثيراً، كثيراً جداً .. تقفز أمامي صُورة صديقتي وهي تبكِ على حبيب رحل عنها دُون أن يُخبرها، وتركها لظنونها تقتلها، تركها لقسوة الأسئلة التي لا إجابة لها. تسألني هل أنا جميلة؟ لماذا يتركني كل من أُحب؟ صديقتي جميلة لها عينان بلون القهوة وقلبٌ بلون الشجر، عندما تضحك نضحك جميعاً، وعندما تبكِ أبكِ أنا، أنا وحدي. أخبرتها أنها لا يليقُ بها الحُزن، لا والله، هي في الحُزن أيضاً جميلة، رقيقة، طيبة القلب، تُحب كالأُمهات، تخشى على حبيبها من البرد، ومن أن يعود إلى المنزل في ساعة مُتأخرة، تُعامله كطفل، تُدلله، وتُهدي له الأغنيات، تسكب على قلبه شلالات من السحر، والغريب أنه يرحل، والأغرب أنه يعُود، عودة الإبن، الإبن

حديث ذات ٢٢

كنت أستعد لإستقبال أحدهم في المنزل من أجل أن يتم التعارف بينه وبين أفراد أسرتي ليتم الارتباط به؛ ذلك حدث منذ حوالي ٧ سنوات .. شخص يبدو خلوقا؛ جادا؛ يود لو يطبق العالم كله بكف يده من أجلي ثم يهديني الشمس والقمر والنجوم والبساتين الغناء .. كنت أثق بمحبته؛ فكل شيء فيه يصرخ بالحب والتفاني لكن شيء في صدري يقول تمهلي .. قررت بأن أصلي إستخارة كانت ليلة عرفات رأيتني في الحلم أقوم بالطواف حول الكعبة ثم آتى صوت من بعيد يحدثني في أذني بأن أنتظر ولا أرتبط به لأنه "كاذب" إنتظرته حتى يأتي في المساء؛ آتى وهو سعيدا؛ لا أدري إن كانت قدماه التي حملته إلي أم إشتياقه .. سألته ما الذي لا أعرفه عنك؛ لم يصيبني لحظة شك واحدة أنها أحلام من الشيطان أو شكوك نفسي التي أصابها الشك في كل شيء؛ إلا رسائل السماء .. ودون سابق إنذار طلبت منه أن يخرج كل ما في جيبه وحقيبة يده وبأن يعطيني هاتفه .. أصابته الدهشة؛ حتى أنا فوجئت بجرأتي .. لكنه إستجاب؛ وأخرج كل ما طلبت؛ وبحثت بهدوء عن ما أشك فيه حتى تأكدت من صحة رؤياي .. ثم حدثته بلطف، بأن ينصرف عن حياتي بهدوء؛ وقلت له أنت الآن ضيف داري وعلي حسن إستقبالك؛ لكن أبدا وم

حديث ذات ٢١

كنت في فناء المدرسة ألعب، أحد التلاميذ كان يلعب هو الأخر ثم دفع أحدهم بحجرة صغيرة استقرت على رأسي، لم أكن طرفا في اللعبة، ولم يكن يوما صديقا لي، كل ما في الأمر أنني كنت ألعب في نفس الفناء الذي يجمعنا والمسافات بيننا كانت متقاربة ..  خرجت من المدرسة وكأن شيئا لم يكن، أبلع دموعي، أهدأ من رعشة جسدي الصغير بنفسي، أجبر لساني أن لا ينطق أه. ترجلت حتى عمل (ماما) أشعر بخط بارد يسري فوق رأسي ولكن لا أعلم ما هو حتى رأيت وجه ماما، تنظر إلى رأسي وتمسح بكفها على منبت شعري ثم تدقق النظر وتشهق "دم" لم أعير للأمر أي أهمية رغم خوفي .. (يعني ايه دم من راسي)!  ادخلتني أحد الغرف الفارغة حتى أهدأ ووضعت قطعة من القطن المغمورة بالبيتادين، واستعدت للرحيل إلى البيت .. رأسي أرض تستقبل الآلام والأفكار والكدمات والصدمات والنزف منذ سنين وأنا واقفة .. رأسي بكاؤه دما لن يجف؛ هو فقط يتوقف ليعود بشراسة .. بورسعيد | ٧ يونيو ٢٠٢٠

حديث ذات ٢٠

بينما كنت أُقلِّم أظافري؛ شردت بذهني لثانية؛ في أثر كلمة قاسية رشقت في قلبي بالأمس!  وفي أقل من الثانية صرخت من الألم؛ عندما اِنغمس المبرد بين ظافري ولحم اِصبعي؛ وسال الدم بسرعة؛ لكن أثر الكلمة في نفسي مازالت باقية .. ٦ مايو ٢٠٢٣ هنا القاهرة     

الحقيبة ٢

أملُك أكثر من حقيبة بأحجامٍ وألوانٍ مُختلفة أما عن حقيبتي الأكثر إستعمالاً فهى حقيبة سوداء مُستطيلة الشكل أضعها على أحد أكتافي لتتدلى على الجانب الآخر أي ألبسها بوضع الكروس وإن فتحتها ستجد في إحدى جانبي الحقيبة دفتراً ملوناً أدون فيه كل ما يجُول بخاطري وكل ما خططته للعام وهذا نادراً فـ تدويناتي غالباً إلكترونية .. ستجد علاّقه مفاتيحي الفضية المُعلق بها مُفتاح منزلي ومُفتاح مكتبي القديم ولا أعرف لماذا أحتفظ به إلى الآن ، مُعلق به خاتم أبي ودبلة زواجه التى ظلت بصُحبتي من يوم وفاته .. علاّقة المفاتيح تِلك صُنعت لي خصيصاً من إحدى صديقاتي وأنا أقدس الأشياء التي تُصنع خصيصا من أجلي .. ستجد أقلاماً كثيرة بألوانٍ مُختلفة وغريبة وستجدني لا أستعمل منها شيئًا فأنا مُنذ أن أقتحم الفيس بُوك حياتنا لا أكتب إلا بضغطات ناعمة على أزرار اللاب توب أو هاتفي ولكن شعوراً بالسعادة ورُبما الأمان كُلما كانت الأوراق والأقلام بجواري .. ستجد حافظة البُطاقات وهي وردية اللون بها بُطاقتي الشخصية والتي حدثت بياناتها وصورتي الشخصية فيها منذ شهور .. وفيها كارنية " إستشاري إعلامي " والتي حصلت عليه في ديسمبر ال

رسائل الحجر الصحي ٢

تزامن تقاعدي عن العمل بسبب مرضي المفاجئ مع تقاعد العالمين أجمعين عن عملهم، وشئونهم الصغيرة التي تتطلب الخروج إلى الشوارع.  الشوارع أصبحت خالية من البشر، أصبحت ملك للحيوانات، تلك هي فرصتهم العظيمة ليعيشوا كامل حريتهم من الأذى البشري .. وتحولت البيوت إلى قنابل موقوتة ستنفجر في أقرب وقت لأننا أمة تكره القيود، والتحذيرات. اجتماع أفراد العائلة الواحدة باختلاف أذواقهم وآرائهم تعد أكبر كارثة إنسانية على وجه الأرض .. يعيش العالم كارثة لا وصف لها  وأعيش أنا الآلام ليس لها وصف والله، رأسي يقطعه سكين الألم بدم بارد، وأنا لا حول لي ولا قوة .. أقول ااه، والعالم يقول لاا الآلامنا مختلفة لكن ثمة آلم يسبح فينا جميعاً في وقت واحد .. اسمعهم يتحدثون عن حظر تجوال، وعن موت محقق، وعن أموراً أخرى، أرى صورا لأصدقائي وهم يتلثمون بكمامات على سبيل السخرية، بيني وبين نفسي أحزن لما وصلنا له، لكن أهديهم ضحكة، مثل ما تعودنا ك عرب دائما أن نضحك على الآلامنا وأحزاننا، والآن نسخر من وباء لن يرى بالعين المجردة، لكن يرى آثره بعين واحدة في كل ركن من العالم ..  بورسعيد | ٢٨ مارس ٢٠٢٠

رسائل الحجر الصحي ١

أقول لأمي: الله يعلم أكثر من الجميع أنني القلق بعينه. لن أطيق التوجس من فيروس اسمه الكورونا، ولن أجيد ممارسة طقوس الحذر طوال الوقت، لذا أهداني شيئاً بسيطا لألزم فراشي طوال اليوم، ولأسكن عالمي الآمن كالعادة رغم الألم، والمنفصل عن عالمكم المتوتر رغم البهجة أحياناً .. أعيش حالة تبدو من ظاهرها قاسية، لكن بين طياتها الكثير من الرحمات .. المرض ملهم أحياناً؛ ويجعلك تبحث عن أسباب للحياة طوال اليوم. أنا لست حزينة على ما أصابني، أنا حزينة على كم الكتب التي لم أقروؤها، وكم الصلوات التي أهملتها طمعا في رحمة الله، وكم اللقاءات اللي آجلتها ظنا في أن غداً لناظره قريب، وكم الرسائل التي مزقتها بعد أن كتبتها بصدق حرصاً على كرامتي .. الآن أنا في المنتصف بين الحياة والموت .. أقف على حافة باردة، خلفيتها ضبابية، أنظر هناك ثم أعود بناظري إلى هنا .. الحياة قاسية، والناس أكثر قسوة، والله الناس أشد قسوة .. والله ما آلمني إلا من آمنتهم على نفسي، وأكثر من تمنيت لهم الخير، سعوا لهلاكي بكل صدق .. الحياة ليست عادلة يا أصدقاء ..   بورسعيد | ٢٧ مارس ٢٠٢٠ 

اوراق الصباح ٣

الصباح ينتظرك، وأنت غارقة في ظلمة ليل الأمس، اليوم تولد شمس جديدة، اشرعي نوافذ قلبك على مصرعيه، واجعليه يتنفس الحياة من جديد ..  ٢٦ مارس ٢٠٢٠ | بورسعيد 

حديث ذات ١٩

في احدى صالونات التجميل؛ أجلس أمام امرأه روسية تتحدث "عربي مكسر" تمسك بيدي لتقليم أظافري؛ ثم أغمضت عيوني وكأني سأخضع لعملية بتر! وفي صمت فرت دمعة من عيوني؛ توقفت عن عملها لحظة ناظرة لي وهي تسأل بلطف: مالك نهال انت حاسه بإيه؟  أجيبها أنني بخير؛ لكنني أخاف؛ أخاف أن أتألم ثم سحبت يدي .. لم أستطع أن أجيبها أنني أخشى الألم من قبل أن يحدث؛ آفر منه طول الوقت وهو يفر إلي؛ لم أستطع أن أخبرها أنني أبك دون سبب واضح لغيري؛ لكنني وحدي أعلم السبب .. روحي ملتهبة؛ وتهزمها أصغر الأشياء؛ حتى مبرد أظافر ..  تركت لها يدي وعدت برأسي للوراء؛ وظلت دموعي تهبط دون توقف؛ وهي تنظر لي في صمت ودهشة! ثم تركت قبلة على جبيني وانصرفت عني .. لطفها الزائد دغدغ خوفي فأخذت أبك وكأني لم أبك من قبل .. بورسعيد |٢ مارس ٢٠٢١ 

طعام صلاة حب شفاء ٣

كان يوم ميلاد جديد لروحي؛ كنت أنا الوالدة والمولودة؛ الوالدة التي حملت على مدار شهور ثقال؛ أحزانا لا تليق بقلب مثل قلبي؛ لكن الله أراد شيئا جليلا؛ والأشياء الجليلة لن تصنعها إلا الأحزان العظيمة .. وأنا كان حزني عظيما؛ لم تتحمله عظامي؛ ولا قلبي؛ ولا رأسي؛ فأتفق أعضاء جسدي على عقد جلسة بكاء؛ ولتخرج دموعي من أكثر عضوا لم يكف يوما عن ممارسة النحيب - فخرجت دموعي من رأسي!  وخرجت أحزاني معها وأفكاري القاسية؛ وتحررت وولدت من جديد .. كان مخاضا مؤلما؛ لم يخرج جنيني من بين ساقاي كعادة حواء؛ خرج من قلبي .. قلبي الحر كل يوم يلد فكرة جديدة، تصلح أن تعيش أعواما وأعواما، عندما تصححت المفاهيم والأفكار شفيت من الألم. عندما أدركت معنى الحياة وقيمتها؛ ووهبت قلبي لله تحررت - وتنعمت - ووقعت في حب نفسي والعالم والاقدار كل يوم. عندما جعلت الإمتنان خلق، وطبع، وعقيدة؛ والبحث عن السلام غاية؛ وممارسة الترك برضا، والتمسك لأهداف سماوية، ونظرت للأرض نظرة شكر على رحابتها واتساعها وحسن استقبالها لنا، وصبرها ع أنانية الإنسان؛ رأيت تجليات الله عندما صاحبت الله، وأحسنت السمع لرسائله الحنونة التي تأتي على لسان الطيبون، تح

حديث ذات ١٨

الفلاش يُؤلمني، يُسبب لي ضعف في الرُؤية لدقائق، أشعُر بذلك الضُوء يُضربْ في عُيوني كالرصاصة، فـ أُغمض عُيوني لأجمع الرُؤية من جديد فتعود بلا ملامح، ولكنني أُحب التصوير وأبتسم للكاميرا كأنني ألتقط صُورة عُرسي حتى لو ظهرت ملامحي مُرهقة وحزينة .. لا أُحب التصوير بدُون فلاش رغم ما يُسببه لي من ألم، الفلاش يتُرك على الصُورة لمَّعة فتبدو الألوان والأشخاص والإبتسامات غير باهتة حتى لو كانوا أصحاب الصورة غير ذلك. -٢- كان دائماً السفر ملاذي عندما أفقد الملاذ والشغف، وتحتل رأسي الأسئلة التي لا إجابة لها، فـ أحمل على ظهري الحقيبة وأُسافر إلى أي مكان، أبحث عن حُلم أو عن إجابة لتلك الأسئلة فـ أعود مُرهقة الرأس والبدن بعد رحلة البحث الثقيلة وتظلُ أسئلتي مُعلقة في ذهني، وتظلُ حقيبتي مُحملة بالأشياء والأفكار والأحلام.. فـ أضع رأسي على وسادتي لأخلُد للنوم فلا أنام، وكم من مرة نام فيها جسَّدي وظلّتْ رُوحي ساهرة. -٣- ستظل الكتابة هي رئتي الثالثة التي أتنفسُ بها الهواء والكلمَّات دُون أن يُشاركني بها أحد، ستظل الأوراق البيضاء هي الأوفى على الإطلاق والقلم هو الأصدق. فعل الكتابة مُؤلم ولكنه يُداوي ما يفعله ا

حديث ذات ١٧

كان أبي يبحث عن اسم جذاب لتسميتي به، ليترك لحن في أذان من يسمع اسمي، كان دقيقا حتى في أبسط الأشياء، لتتحول إلى أمور في غاية التعقيد .. نهاد - لقد وقع الإختيار من بين أسماء كثيرة، على أن يصبح اسمي نهاد - وتوجه بالفعل لمكتب الصحة ليسجل الإسم المختار ليقرنه بي حتى الممات دون اختيار مني! ولسخرية القدر، يسمع الموظف المختص الإسم باللام وليس بالدال - ليتحول اسمي من نهاد إلى نهال .. كلما تذكرت حديث أبي عن هذا الموقف، أتذكر أنني بحاجة لأن أؤدي صلاة شكر طويلة، أنني أصبحت باللام وليس الدال، 《ولتوضيح الأمر》أنا لا أحب الأسماء المشتركة، التي تقبل القسمة على الرجل والمرأة. تحول اسمي من معنى لمعنى مختلف تمامًا، بفضل حرف-حرف واحد - حرف وصدفة .. أما السيدة الحلوة التي كانت تجلس بجواري، أثناء سفري إلى مكة، كانت ك الطيف اللطيف، كلامها طيب، صوتها حنون، وعيونها صافية ك ماء زمزم، وكان اسمها ليلى. السيدة ليلى، تعلمت منها أن الله لا يعبد بالتعاليم، الله يعبد بالحب، أن الصلاة ليست بالجسد، بل بالروح، تعلمت منها في أيام قليلة ما لم اتعلمه طوال سنوات عمري.  سمعتها تهمس بالدعاء وهي جالسة على الأرض، في المسجد الحرام

سطور من دفتري الأخضر

-١- ثُم سقطثُ، ثُم تهشمَ كياني، ثُم بكيتُ حتى إحترق قلبي، ثُم وقفتُ مُنتصبة الظهر ونظفتُ ما علق بي مِنك، ثم ابتسمتُ ومضيتُ قدماً؛ وكأن شيئاً لمّ يكُن .. ماذا عنك؟! -٢- يغيب، ويترك مساحة من الفراغ تقتلني، يشاغبني عطره، حديثنا في كل التطبيقات، روابط أغنياته المفضلة، وصوته الذي أسمعه بأذن قلبي، ضحكاته المنثورة في صفحات أصدقائه، أرائه الساخرة التي تجعلني في حيرة متسائلة، ما بين هزل يقصده أو جد، شجارنا الذي ينتهي دائمًا بإلقاء اللوم علي، وأنا ك عادتي أطيل الحديث معه بعناد طفلة حتى أبقيه بجواري، ولأخبره كم أحبه، مقابل أن يروي لي قصة حتى أنام. يخبرني أنه سقطت من ذاكرته كل الحواديت، وأنه لا يملك من الوقت شيئًا للحكي، وأنه أحب كاتبه حتى تروي له كل مساء قصة فلا يشعر بالملل، أجيبه أنني أستطيع أن أنسج خيالا بألوان قوس قزح، لكني أخشى أن تذوب مع أول شعاع شمس ..  أضع رأسي على وسادتي المحشوه بحلم حزين، كطفل تكور في وضع جنين، ويخشى أن يخرج للنور، حتى لا يبوخه أحد، أغرق في ظلام غرفتي، أنظر إلى صفحته الشخصية، وكأنها قبلة ما قبل النوم، أغلق هاتفي ثم أنام ..                                 - ٣ - أقسى الفرا