التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من ديسمبر ٥, ٢٠٢٢

من أوراق الماضي ١

أملك دفترا معبأ بالذكريات كتبتها لأنساها، فخلدتها دون أن أقصد لآخر العمر .. لن أكذب عليك، قلبي ليس بكرا، كما أنني أملك عمرين، عمرا إذا سألني الناس عنه أجبت؛ وهو ذاته الذي جذبك نحوي يوم ظننت أنني أرض لم تشن فيها الحروب يوما، والحقيقة أن قلبي استوطنته الحروب وقتا كبيرا، ولم يتبقى منه إلا أشلاء، وبعض صفحات دفتر لعين، تطاردني ذكراه من حين لآخر .. أضع بكسل أوراق النعنع في فنجان الشاي، وأقلبه على مهل، وكأنني أنتظر خروج سرا، بعد أن أفرك مصباح قديم؛ ثم أتمتم بأمنيات أعلم أنها مستحيلة! أخرج من دوائر علاقاتي لأنني أصبحت لا أطيق الزحام، أكره أن يلزمني أحدهم بواجبات اجتماعية، فأنزوي بعيدا وأنشغل بغزل نياط قلبي من جديد .. أتعلم أين المشكلة يا عزيزي؟  المشكلة أنني امرأة مشغولة بالماضي، أحن له في الصباح ك حنين الجائع لخبز ساخن، على طاولته الكثير من الأصناف الشهية، لكن حلمه أبسط من كل هذا ..  المشكلة أنك سقطت في حب امرأة لديها سر، وتلك هي أم المشكلات ستجدها شاردة، صامتة، يراها السطحيون مملة، لكنها لديها الكثير من الحواديت، تستطيع أن تضمك إلى صدرها بحنو ك إبن مدلل، وتروي لك حدوتة حتى تصيح الديكة .. هل

البقاء للذكرى

الذين آفلتوا أياديهم منا في منتصف الطريق، وتركونا للحيرة تقتلنا، ومزقوا تلك العهود التي كتبت بدماء أرواحنا. وأقسموا لنا على عدم الرحيل ثم رحلوا، وشاركونا النهار والليل؛ وتقاسمنا معهم السعادة والألم؛ وعاهدونا على كتمان السر، ثم أفشوه؛ يعلمون من أين تؤكل القلوب، فمزقوا نياط قلوبنا؛ ثم قالوا عنا ما ليس فينا، وهم أعلم الناس عنا ..  شاركونا السفر والسهر وليالي السحر، وأبيات الشعر، وبدايات الروايات، ثم تركونا لأشباح كل رواية تعلم سرنا الجميل فحولته إلى كابوس مؤلم.  كانوا لنا كتفا لم تمل، ووطنا لم يثور، وأرضا خضراء لم تبور، ولكن مع الوقت كل شيء قد ذبل - كل شيء قد ذبل .. لكن قلوبنا غفرت؛ فنحن أيضا سيئون في حياة أحدهم حتى لو لم نعلم؛ غدا تنتهي الآلام، وتبقى الذكرى لنا ولكم .. بورسعيد | ٨ سبتمبر ٢٠٢١ م

أحلى أيام العمر

منذ فترة؛ جائني إشعارا يعلن عن إنضمامي لجروب على الواتساب .. أقوم بفتح الواتساب وأنا مضجرة؛ تزعجني الإشعارات؛ والأحاديث التي ليس لها أول من آخر .. كما أنني أكره نظام "الشلة" وأكره أيضا أن يخطفني أحدهم من عزلتي المحببة .. وجدتني بين أرقام لا أعرف هوية أصاحبها؛ تتقاذف الرسائل والوجوه المضحكة فيما بينهم؛ وأنا أشعر بالإستفزاز .. لكن كان هناك من بين الأرقام رقم أو رقمين مدرجين في قائمة الأسماء بهاتفي؛ لابد وأن أسأل احداهن .. أنا أود أن أخرج لكن الفضول يقتلني .. من هؤلاء؟ ومن أنا بينهم؟  ولماذا أنا هنا؟ أطل بعيوني على اسم الجروب لأجده "أحلى أيام العمر" فأبتسم بسخرية؛ لقد كفرت بهذه المعاني! قررت أن أسأل احدى صديقاتي؛ والتي قذفتني في تلك الغرفة الدافئة: مين دول؟  -دول دفعة الكلية يا نهال. وكأنني في لحظة سافرت عبر آلة الزمن إلى الماضي؛ صمت وعدت لأراقب حديثهم الجميل؛ وشئ في قلبي يئن؛ الجميع يحكي بلهجة حزينة ماذا فعلت به الحياة؛ وإلى أي شط آلقت به؛ وكم خسر؛ وكم كسب؛ ومتى صبغ الزمن شعره بالرمادي؛ وكيف استقر الشيب في قلبه .. ثم خطفني منهم صوت قطار وقذف بي على رصيف فارغ من المساف

حكاية امرأة بجرح غائر

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبداً .. كنت في احدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئاً ليس مريحاً أو صحيحاً.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبداً يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي ٥٥ سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت ب

أحلام كرتون

 كل ما أردته أن أصبح بائعة كتب في الصباح، وفي المساء أقاوم حزني بالرقص حتى أسقط بين الكتب، أستيقظ في الفجر لأروي ورداتي بماء مخلوط بالسكر، فينتصب عودها، وتهلل لي بأوراقها وكأنها تود أن تشكرني .. ثم أجلس على الرصيف أراقب المارة وهم في طريقهم إلى العمل، وجوههم عابسة، خطواتهم كسولة، وملابسهم غير مرتبة، أنظر إليهم وتملؤني الشفقة عليهم من رتابة الحياة، ثم أترجل إلى مكتبتي .. أعيد تدوير اسطوانه لموسيقى يابانية وأعد لنفسي قطعة من الحلوى .. ثم أتناول كتاب من بين أرفف الكتب القديمة، أعشق الأساطير، وأحب الفساتين وأتخيل ماذا لو فرضت السلطات على الإناث خروجهن بالأتواج .. ستتحول المدينة إلى جزيرة تسكنها الأميرات، أتخيل لو أن لي تاج مرصع باللؤلؤ؛ تتنافس على شراؤه الفتايات، لكن لم يجدن مثله في الأسواق! تسألني احداهن من أين تأتي بمثله، أخبرها بأنني وجدت سرا في كتاب قديم، فكافئني الجن عند أول صباح، فوجدته على وسادتي بجوار رأسي .. جاءتني إحدى الفتايات تسألني عن كتاب لوصفات العناية بالبشرة، تقول أنها خسرت الكثير من جمالها عندما خذلها من تحب، وارتسمت حول عيونها الهالات السوداء، وعلى جبينها وبين حاجبيها خط

الحب ١

 هل أسمى درجات الحب؛ حب أحدهم دون أمل؟ أم أن يحب المرء نفسه فقط ويعزز من قدرها ويسمو بها ويرتقي؟ كلما كبرنا تجسد معنى الحب إلى معنى أخر؛ غير محدود وغير مادي؛ بالأمس كان الحب له خلفية براقة يحاوطها لحن شجي وخطابات من المحبوب مغلفة بالإشتياق؛ ربما ينتهي الحب بالفراق؛ وتبقى القصة ساكنة بين ضلوع المحبوبين وينقضي العمر وتنقضي معه عافية الجسد والروح ..  ولا عزاء! الآن؛ الحب عند أغلب البشر يحدده أرصدة البنوك وماركات الهدايا وعدد الخروجات والسفريات؛ الآن الحب رقمي! وما بين الأنا والوهمي والرقمي يبقى الحب الأسمى هو حب الإله! الذي يخلق منك كل جميل ويحولك من مخلوق آلي متحرك؛ إلى مخلوق مبدع نبيلا؛ يغمره السلام والمحبة المطلقة لكل المخلوقات؛ يخرجك من دائرة الأنا إلى دائرة نحن؛ يزيد عمرك وتزيد طاقتك بفعل حبه لا بفعل التنافس بين العالمين؛ يتحول حديثك إلى طرب وأنفاسك إلى ذرات عطر؛ وحركاتك وسكناتك إلى نقرات سيمفونية. إذ أغرقت نفسك في حبه؛ أنقذتها من جنون الأنا؛ وعذابات الوهم؛ وظلم الأرقام. القاهرة | نوڤمپر ٢٠٢٠ 

أنا والأخرون.

مشاركة أحزان الناس؛ لم تكسبني خبرة ودراية وحصانة كما يظن البعض؛ بل جعلتني أكثر شفقة على الإنسان؛ جعلت قلبي أكثر رقة ورحمة ولين؛ ورفعت سقف توقعاتي عن رؤوسهم؛ وعلمتني أن ثمة أمور وأحوال غير قابلة للنقاش؛ أو لعمليات حسابية أو نظريات أو تنظيرات أو تحليلات أو أحكام قانونية؛ مثل المشاعر مثلاً .. فجعلتني أستمع لهم بأذن قلبي؛ وأرى الجميع عارياً .. هناك شرياناً رفيعاً يجمع كل أبناء آدم على وجه الأرض؛ شرياناً كالخيط الدقيق الرقيق؛ ورغم رقته إلا أنه متين؛ وصل القلوب ببعضها البعض؛ جعلها تتبادل وتتشارك الإحساس؛ دون بوح وعلانية .. على مائدة الألم ليس هناك جائعاً أو محروماً؛ ولن تجد من يطل بعيونه في صحن الأخر متمنياً نصيبه! جميعنا نأكل في وجبته المعدة بتوابل تناسب معدته "الله رحيماً حتى في الألم" يؤتيك من حيث يستطيع قلبك .. نمضع الألم دون تلذذ ثم نقذفه إلى قلوبنا بماء اليقين والصبر؛ يثقلنا الحديث؛ فنتبادل النظرات الدامعة؛ والإيماءات الحزينة؛ وكأننا نهمس لبعضنا البعض "يا عزيزي كلنا في الألم سواسية"  الألم دائماً يساوي بين البشر؛ يخلع عن رؤوسهم القبعات؛ وعن أكتافهم الشارات؛ وعن أسما

أحاديثهن

في لقاءا كان غير مرتبا؛ تقابلت مع رفيقاتي احداهن في منتصف العشرينات؛ والأخرى على مشارف الخمسون؛ وأنا الثالثة أخطو للأربعون بهدوء .. آعده لقاءا غير عاديا؛ فكان بعد غيابا طويلا؛ وإنشغالا كاد أن يخنقنا ويميت صداقتنا الفريدة؛ منذ فترة لم نلتق إلا في جروب الواتساب نقذف الكلمات الحلوة سريعا؛ والوجوه المبتسمة والقلوب الحمراء ثم تأخذنا الحياة إلى شوط جديد .. جلسن بعد أن أعددن أطباق المخبوزات وفناجيل الشاي؛ والسعادة تتاقفز في عيوننا؛ وأنا في صمت؛ رأسي تتقافز فيه الأسئلة وعلامات الإستفهام التي أود أن أجد إجابة لها .. يعرفن عني أن وراء صمتي سيل من الحكايات والأسئلة؛ أنا فقط أعدها في رأسي وأتركها لتختمر .. أتركهن لحظات حتى أعود .. فأجد الخمسينية تحدث العشرينية ببعض كلمات .. أنت في أجمل سنوات العمر؛ فأنت شابة يستطيع قلبك أن يحب من جديد؛ ورحمك يحمل كل عاما طفلا جديدا؛ لن تشتكين الآلام سن اليأس؛ ولا الإنهزام النفسي؛ ولا علامات تمدد السنين على جسدك وملامحك؛ ولازال أمامك متسعا من العمر لتركضين خلف أحلامك دون تعب؛ ثم صمتت وكان خير ما فعلت! ورفعت فنجال الشاي إلى فمها .. تجيبها العشرينية بآسى .. أنا لن أ