التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من 2024

حديث ذات ٤٤

في كل بيت؛ ركن مهجور حزين ومظلم؛ أسدلت الستائر عليه منذ زمن؛ فتكومت الذكرى فيه وصدى الضحكات والهمهمات؛ ونسجت خيوط العناكيب؛ وتحول لغار .. غار يسكن فيه رائحة من نحب؛ وبقايا حديثه؛ وجزء من أشياؤه؛ وتجاعيد جلسته على مقعد أو سرير .. لا نستطيع أن نقترب؛ فالمطارح المهجورة لها لعنتها؛ ربما تصيب من يتجرأ على جلالها؛ فتجعل قلبه يدمي ..

حديث ذات ٤٤

 للجسد ذاكرة ذات كبرياء؛ لا تستدعي الذكرى الأليمة؛ هي تنتظر حدوث الحدث ليخبرك بطريقته القاسية؛ أن ثمة مشاهد متكررة؛ مشاهد وربما مشاعر! منذ عشرون عاماً تركني الفتى الذي كنت أحب لأن أباه وأبي لم يتفقا ولأسباب أخرى معقدة انفسخت الخطبة؛ ومن حينها وأنا أمارس الفقد والفراق وتارخ الأيدي! كان غضبي مكتوما وسؤالي الحزين يأبى الخروج للكبار! ابتلعت غضبي؛ وأخذت أسئلتي الساذجة تحت جلدي ومشيت - مشيت مشوارا طويلاً كنت أبحث في الشارع عن إجابة؛ أو ربما عن فتاي الذي كان يحب السهر حتى الصباح؛ وربما كنت أحاول الهروب! أظنني كنت أحاول الهروب من البكاء ومن السؤال ونصائح أبي التي كانت في تلك الليلة سبباً في صداع مزمن لقلبي دام لأكثر من عشرون عاماً! مشيت حتى وصلت لبيت جدي؛ ولكنني لم أصل لشيء لا لفتاي؛ ولا لإجابة سؤالي؛ ولا حتى استطعت الهروب! ثم توقفت عن السير عندما تعب قدمي؛ ولم يعد لي القدرة أن أسير لكنني أريد أن أمشي بلا توقف؛ لقد كانت رغبة قلبي اللاهث؛ لم تكن رغبة قدمي الذي بالفعل قد وصل لنهاية الرحلة؛ لكن شغف قلبي الذي لم يذبل حينها هو الذي دفعني بأن أسير على الإسفلت وكأنني عصفورة بين السحب؛ عصفورة لكن بقلب

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٩

 أنا حامل. رسالة كتبتها لي صديقتي؛ تحمل بين حروفها صبر سنوات طويلة، تنتظر شهراً بعد شهر، عاماً بعد عام، على مدار عشر أعوام وربما أكثر، ونحن ننتظر، ونتمنى ونحلم، ونصبر وندعو الله أن ينبض رحمها بالحياة؛ ويحقق لها ما تتمنى .. كنت أتمناه بنتا لأهديها الفساتين والفيونكات وأعلمها الرقص والرسم والعزف على البيانو؛ ثم نتعلم معا كيف نختار طلاء الأظافر المناسب وألوان الروچ؛ ولأمنحها كل الحب والدلال؛ البنات تخطف قلبي؛ وترققه وتترك فيه عذاب وقلق عليهن من الأيام .. لكن جاء يحيى ليخلصنا من كل هذا التوتر؛ ليبدأ توتراً من نوع آخر؛ توترا بمزاچ الصبيان؛ مرت شهوراً بعد حضور يحيى للحياة؛ وأنا تاركة الشيماء تستمتع بممارسة الأمومة التي طال إنتظارها .. فتهاتفني "الولد قرب يكمل سنة وانتي ماتعرفيش ملامحه" . ثم تحمله وتأتيتني به؛ وتتركه على ذراعي؛ أقول لنفسي سرا .. "مابعرفش أتعامل مع صبيان ياربي" بكفه النونو ضم أُصْبُعي ومضغه؛ فدغدغ قلبي دغدغة حنونة أحببته؛ وأحببت كل صبيان العالم من أجله .. تأسرني لغة الأطفال بنين وبنات وتبهج قلبي؛ أتسأل ما الذي يود أن يخبرني به عند ضم أصابعي؛ هل يوصيني بأمه

حديث ذات ٤٢

وإذا سألتك ياصديقي عن حالُك لا تقُل أنا بخير وأنت غير ذلك. أنا أرى حالُك في عُيونك، في تلعثُم كلماتك وفي رعشة صوتك الباكي. قُل لي بصدق عن حالك الذي لا يعلمهُ إلا جُدران حُجرتك، ووسادتك التي تحمل عبء قلبك ورأسك. أخبرني عن بُكاؤك الذي يحدُث بعد أن تُغلق أبوابك عليك، وبعد أن يرحل الجميع، وبعد أن تنقطع نقر خطواتِهِمْ الثابتة عنك لبعيد. قُل لي عن تِلك الكلمات التي كتبتها في ورقة ثم ألقيت بها في سلة مُهملاتك حتى لا يرى إنكسَّار رُوحك أحد. قُل لي ياصديقي، فـ أنا صديقتك المُقربة، لماذا جعلت الجمَّاد أقرب لكَ مني .. ؟ بورسعيد | ٢٠ يناير ٢٠١٧

حديث ذات ٤١

 رغبة في عُطلةٍ طويلةٍ  مُمتدةٍ لآخر النفق  نفقِ الحياة التي أحياها أقصد التي تعيشني كل يوم .. هُناكَ كوبري بالقرب من مكان عملي كبري عالٍ وشاهقٍ لكنه ليس عتيقاً كالناس الذين يسيرون وينامون ويشحذون من تحته ويستترون بظله! الناس من تحتهِ يشبهونَ الأحجار العتيقة   التي كانت فحماً شديدَ السواد  فأحرقته ألسنة النيران التي لا ترحم .. فصاروا أحجاراً ولكنها ليست كريمة كما نظن!  بل أحجارٍ تُلقِفها الأقدام ..  - هُنا القاهرة -  - ١٩ يناير ٢٠٢٣ -

حديث ذات ٤٠

عند عودتي لبورسعيد تستقبلني ماما بالوجبات اللذيذة والكعكات التي أُحب؛ في هذا الصباح صنعت لي بسكوت بالينسون؛ طعمه شهياً وخفيفاً على المعدة المُرهَقة؛ ماما صنعت لي أيضاً كوب شاياً باللبن؛ المشروب الذي يصفونه بمشروب الطيبون! أعرف طيبون يشربون اللبن سادة لأنهم على حد وصفهم لأنفسهم (طيبون للغاية)!  أما أنا فكنت أفضل القهوة بجنون لكنني منذ شهوراً إنقطعتُ عن كل الأفعال والعادات التي تجعل قلبي في حالة لهث! قراءة روايات شديدة العاطفية؛ جلسات مفتعلة غير حقيقية؛ مشروبات تجعل قلبي وكأنه يركض! وأنا أريد أن أستريح؛ وأن أمارس دلالي حتى لو في أبسط الأشياء؛ ومع هذا أظنني لن أنتمي يوماً ما لنادي الشاي باللبن؛ لأنني ببساطة أحب الأشياء ذات الوجه الواحد!  الصورة من الإنترنت ١٤ يناير ٢٠٢٤ | بورسعيد