التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تختيم عام ٢٠٢٠

كان عاما رحيماً، لا أستطيع أن أصفه بأنه كان مُؤلما أو ثقيلاً كالعام الذي قبله مثلاً، أو أنه كان مُنصفا معي مثل ما كنت أتمنى ..

كان حيادياً وهذا ما ميزه، لا قاسياً ولا حنوناً، لا ضدي ولا معي، خرجتُ منه غير خاسرة وهذا ألطف ما فيه ..

أصبحتُ لا أبحث عن الحقائق، عن الأسرار، عن الحلول، كل ما أبحث عنه دوماً وأبداً سلامي الداخلي، والحفاظ على مبادئي ..

يقول ‏ديفيد هاوكينز: يعتبر شعور السلام الداخلي قوة عظيمة؛ والشخص في هذه المرحلة لا يمكن تخويفه أو برمجته أو التحكم فيه أو التلاعب به. 

وأكمل مقولته بقلمي؛ لن تجد للباحث عن السلام الداخلي فرصة لتلوي رقبته منها؛ هو حر تماما محلقا في سماه؛ ليس عابئا للحروب التي شنت حوله؛ ولو كانت ضده .. 

يحدُث أن نُختبر في أخلاقنا، في مشاعرنا، في تلك المبادئ التي نُحاول أن نقبضُ عليها بين فكيينا، ونحاول أن لا تفلِت من بين أصابعنا في زحام يومنا ..

الحياة قاسية وتزداد قسوة يوماً من بعد يوم، والعلاقات الإنسانية أصبحت أكثر تعقيداً وغرابة، ونحنُ دائمَّاً نُزيد من صُعوبتها على أنفُسنا، تحت شعار "بل أنا الأقوى".

وجميعنا نضغط بقوة، بلا رحمَّة، على الأقل، فالأقل، فالأضعف، فالأكثر هشاشة، ليتحول إلى وحش لا يرحم، فيُحطم القيود والحدود ورُبمَّا القوانين.

وأعتقد أن بتلك الطريقة نصنع الظالمون، الظالمون في الأصل أشخاصاً عاديون، مسالمون، طيبون، أحلامهم بسيطة، لا يتابعون الأخبار، ولا يتنافسون على منصب ..

ستجدهم بين أولادهم من بعد الظهيرة، حتى تنسدل عليهم ستائر الليل ..

ستجدهم يتوددون لزُملائهم في المكاتب بإبتسامة عريضة ليس لشيئ إلا محبة فيهم وفي الله، ستجدهم يُرددون مع الآذان، ومع أغاني الراديو في كل صباح، ستجد على ملامحهم علامات الرضا رغم الشقاء، وعلى ملابسهم البساطة رغم أنها قديمة، وإن سألته عن حاله أجابك: "رِضا".

في بلادنا يتحول أهل الرضا إلى جناة بمُنتهى البساطة، لا يعلم ولا أحد يعلم، ما الذي حدث بعد مرحلة "الرضا" وقبل أن يتحول هؤلاء الأشخاص إلى لعنة!

مُستحيل - مُستحيل أن تجد أشر من الطيب على وجه الأرض؛ عندما يتحول إلى لعنة! 


هل جربت لعنة الطيبون؟


ليس فقط السلطات تفعل، بل نحن، في الشوارع، في البيوت، وفي كل مكان، نحنُ جُناة على بعضنا البعض، ونحن جميعاً نبحث حولنا عن الجاني!


لو نظرت لمرآتك ستجده، وحينها - حينها فقط ستتذكر من جنيتُ عليه ..


•إن كان نفسك: فتذكر إن لنفسك عليك حقا، فأخرج من الدوائر السوداء، والعلاقات السَّامة، قصص الحًب السادية، الصداقة المُّزيفة، وحطم القيود التي تقتلك وتحرر، وتحرك من الأماكن التي تُظلمك وتَظلمك!


خلقك الله لتُحرر البلاد والأحلام والأشخاص الأضعف منك؛ فكيف تكون عبيدا حتى لو لفكرة!


•إن كان سواك: عُد بالحقوق لأصحابها، فغداً ستعود بصورةٍ أخرى لن تتحملها أبداً ..


•إن كان لله: ف اسجد واقترب، فالله دائماً أقرب ..


- ع الهامش -

لا تسري في الدنيا بدون أخلة، فهُم رُفقاء الرُوح والعقل والدموع والضحات، رُفقاء الأسرار والأحزان والأفراح وعندما يثقل جسَّدك هُم لك عُكازا لن ينكسر، سِتر لن ينكشف، وحكايات لن تنتهي ولو انتهى العُمر ..


لا تتوقف عن القراءة، ف بالقراءة تحيى العقول، وتُقيم الأمم، وتُرفع الغُمم، ويموت الكسل، وتسد باب الجهل والبلادة والنسيان.


لا تكره، إياك والكره، مهما أساء لك أحدهم، مهما تسبب لك في آذى، وتوقف عن الحُب الأعمى إزهده، ولا تكره، فالكره نارٌ صلداء لا تحرق إلا حاملها.


إترُك السلام والإبتسام في أي مكان؛ وتذكر دائماً الذكرى حيّة في القلوب؛ فاجعل ذكراك مؤنسة للغير ..


بورسعيد | ديسمپر ٢٠٢٠ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد