التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من أوراق الماضي ١

أملك دفترا معبأ بالذكريات، كتبتها لأنساها، فخلدتها دون أن أقصد لآخر العمر ..

لن أكذب عليك، قلبي ليس بكرا، كما أنني أملك عمرين، عمرا إذا سألني الناس عنه أجبت؛ وهو ذاته الذي جذبك نحوي يوم ظننت أنني أرض لم تشن فيها الحروب يوما، والحقيقة أن قلبي استوطنته الحروب وقتا كبيرا، ولم يتبقى منه إلا أشلاء، وبعض صفحات دفتر لعين، تطاردني ذكراه من حين لآخر ..

أضع بكسل أوراق النعنع في فنجان الشاي، وأقلبه على مهل، وكأنني أنتظر خروج سرا، بعد أن أفرك مصباح قديم؛ ثم أتمتم بأمنيات أعلم أنها مستحيلة!

أخرج من دوائر علاقاتي لأنني أصبحت لا أطيق الزحام، أكره أن يلزمني أحدهم بواجبات اجتماعية، فأنزوي بعيدا وأنشغل بغزل نياط قلبي من جديد ..

أتعلم أين المشكلة يا عزيزي؟ 
المشكلة أنني امرأة مشغولة بالماضي، أحن له في الصباح ك حنين الجائع لخبز ساخن، على طاولته الكثير من الأصناف الشهية، لكن حلمه أبسط من كل هذا .. 

المشكلة أنك سقطت في حب امرأة لديها سر، وتلك هي أم المشكلات، ستجدها شاردة، صامتة، يراها السطحيون مملة، لكنها لديها الكثير من الحواديت، تستطيع أن تضمك إلى صدرها بحنو ك إبن مدلل، وتروي لك حدوتة حتى تصيح الديكة ..

هل أخبرتك عن بيتي القديم؟
وصديقاتي القدامى؟
وعن ماذا يفعل بي صوت القطار، وعن حب فتح مسام جلدي ثم أقبرني؛ وأنا لازلت حية؟!

أنا يا عزيزي مرهقة بالتفاصيل، وحديث العيون، والكلمات التي تكتب بين السطور، وقصص لا تصلح للبوح، لكنني سأخبرك، سأخبرك بكل شيئ، سأمنحك صك لا يمنح مرتين، لامرأة لا تحكي إلا مرة - مرة وبعدها تندم ..



بورسعيد | ٢٢ يونيو ٢٠٢١




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو