التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ذاتي ما بين الشغف والعمل ١

الحكي يحتاج إلى ترو وذكاء عاطفي وإنساني؛ لن يتوفر إلا في قلب وعقل امرأة؛ لأنه فعل أمومي؛ ولن يمارس إلا بالصبر .. 

تهدي لمن يسمعها ولو من بعيد طبطبات بصوتها؛ الذي تظنه لوهلة أنه موسيقى تصويرية للقصة!

ليس الحكي بأن تروي حدوته حتى تنتهي مع انتهاء الشر وحسب؛ ليست المسألة مجرد كان ياما كان؛ وتوتة توتة فرغت الحدوته ..

الحدوته لن تبدأ وتنتهي هكذا ..

أن تحكي هو أن تعزف بكلماتك؛ وطبقات صوتك على أوتار القلب؛ ولب العقل فيسترخ .. 

ويترك واقعه على أعتاب صدر امرأة تجيد فن السحر؛ تستطيع أن تضم من يسمعها؛ ولو كان جالسا بعيدا؛ وكأن كل من حولها أطفال صغار؛ تمسح على رؤوسهم بكلماتها؛ حتى تغرق جفونهم في سبات عميق ..

الحدوته كالحياكة؛ خلقت بغزل الأبيض بالأسود؛ وما بينهما طبقات من الألوان والسحر والشغف؛ تستطيع المرأة أن تعيد غزل ثوب بالي، ينظر له الرجل نظرة اشمئزاز، وتنظر هي له نظرة سعادة بمولود جديد .. 


المرأة شهرزاد لكل عصر، لكن ليس كل رجل شهرايارا ..

تنتظر من يسمع لها دون ملل؛ ويذوب معها كل ليلة، حتى تنتهي لياليها الألف!

ومع انتهاء كل ليلة ينتشي؛ وكأنها أول مرة .. 

لديها الكثير لتقوله؛ تستطيع أن تخلق كل صباح عالما براقا؛ وفي المساء عالم آخر مغايرا .. 

ستعلمك الحب؛ والفضيلة؛ والسحر؛ والجمال؛ والخيال؛ والسفر بين السماء والأرض ..

معها سينبت فوق ظهرك جناحين، وستحلق في سماءها، وسترى العالم من فوق سحاب وردي .. 


ستجعلك تشفق على الشرير؛ وتغفر لمن آذاك يوما؛ وستخبرك في حدوته أخرى؛ أن اللطف أصل الشفاء!


وأن الإنتقام فعل شيطاني؛ ستخبرك بكل هذا وستصدقها؛ ستغفو على وسادة محشوة بخيال امرأه طيبة؛ تقرأ لك تعويذة؛ كتبت من الألاف السنين من يد امرأة أخرى؛ وقعت في حب رجل، لا يجيد إلا الحرب والسفر .. 

كانت تحلم بأن يشاركها حلم؛ وواقع؛ وحدوتة لن تنتهي؛ ووسادة تستطيع أن تحمل قلبين إلى الأبد؛ لكن الرجل يكفيه ليلة واحدة فقط ..

الكتابة فعل طيب، يشبه حضن صديق ينتظرك بفارغ الصبر على رصيف انتظار؛ حتى تفرغ اشتياقك، ولوعك، وحيرتك، وشتاتك بين ذراعيه، وتبك له دون حديث ..

كتبت المرأة عندما قبض العالم كله على رقبتها ليمنعها من البوح، والإعتراف، التفكير، الآنين بصوت مسموع، لأن صوتها عورة!

إن لم تكتب المرأة وإن لم تروي حكاياتها الألف، حتى لو رأيتها ساذجة، حتما ستصاب بالجنون والملل ..

يا عزيزي كانت لديك جنة عرضها السموات والأرض، ومن ضلعك خلقت حواء، لتحوي قلبك وعقلك ووجدانك، بحكايات قديمة لم تسمع عنها من قبل!

كنت مشغول بأرضك وإبلك على مر العصور، وكانت هي تمارس الإنتظار، تعقد الحواديت عقدة بعقدة، وتنتظرك بحب!


إستمع لها بأذن قلبك؛ وحلق في سماءها وجرب السحر مرة؛ حينها ستكره العودة إلى أرضك ولو كانت جنة!


بورسعيد | ديسمپر ٢٠٢١ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو