التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تختيم سنة ٢٠١٩

 "كل الضربات كانت مميتة لكنني لم آمت" 


لا أحد يعلم تلك الحروب التي أخوضها وحدي، بذراع واحد، وقدم واحدة، وعين واحدة، ترى العدو حبيب ..

كنت دائمًا أعود منتصرة لكني متعبة الروح والجسد والقلب، فلا أشعر بلذة الإنتصار، فأنزوي بعيدا لأنشعل بتطيب جسدي وروحي ..

عندما عدت من معركتي الأولى، كنت قزمة على أن تحاربني الحياة، وتفسد علي سعادتي، الحياة لا تحارب إلا الصغار، اللطيفون، الطيبون، الذين لا يريدون منها إلا الحب والحق والجمال ..

كنت لا أملك رصيدا من أي شئ، إلا حب الحياة التي خذلتني فأصبحت أخشاها.


عدت بجسد متهالك بفعل السهر والحمى، لم أجد من يربت علي كتفي، لم أجد من يمد لي يد المحبة الخالصة، إلا طبيبي.


كانت أول كبسولة تناولتها للتشافي هي نصيحة "I'm The First" ..

قالها بنبرة حزينة، تخيل يا صديقي، عندما يحزن الطبيب على مريض يلقاه أول مره!


"عيشي بمبدأ أنا أولا" 

"لأنك شخصية حساسة، ولأنك الشخص اللي ممكن يموت من كلمة توجعه".


حزنت، وتألم قلبي مرة ثانية، لكن هذا الألم أفاقني، أنا لا أريد أن أموت، أريد أن أعيش كثيرا، كثيرا جدا، فلدي من الأحلام ما يحتاج عمرين أو ثلاث على عمري، وأنا لازلت صغيرة عمري لا يتجاوز الثلاث وعشرون عاما.


قلت لنفسي: أنا أعلم جيدا أنني لست كالسابق، فبداخل قلبي شيئا قد ذبل، وهناك مذاق مر عالقا في جوفي لا أعلم سره، هذا أيضا موت، لكنه موت على قيد الحياة ..


حسنا ليس هناك مشكلة أنا من الآن لست على قيد الحياة ولست من الأموات أيضا، أنا هناك في تلك المنطقة التي يعيش بها المحاربون، الذين تعتركهم الحياة، ولكنها لم ولن تهزمهم أبدا.


أخاف الضعفاء والمساكين والسذج، أخشى على من لا حيلة لهم، ولا عون، وأؤمن أن هؤلاء مشروع مؤجل لإعداد أشرار.


أشرار العالم لم يجيئوا أشرارا، هم في الأصل طيبون، لكن ثمة ظروف وأشخاص آخرين يجيدوا فن إجهاض كل جميل ونبيل، دون أي شعور بالذنب.


يسعدهم تحطيم وتدمير كل ما هو أجمل وأرقى، لا يؤلمهم أن تتحول أياديهم من كفوف بيضاء الى كفوف ملطخة بالدماء يؤلمهم فقط أن يرون هذا البياض في قلوب أخرى، ذلك النقاء يذكرهم بقذارتهم.


كانت أكبر الآلامي وأشرسهم.

أن أبدأ من جديد، أبدأ وحدي، أبحث عن الطريق، وأمشيه وحدي، أبحث عن الصحبة وأقيمهم وحدي، أبحث عن الهوية وأعتنقها وحدي، لم يقصر أبي ولا أمي، لكني من وقتها وأنا أخاف أن أقبل الدعم والمحبة، أخشى التعود، أخشى الأمان، وأخشى شعور الثقة بأن هناك من يقف خلفي، أو بجواري، لأنه لم ولن أحد يبقى للأبد ..


عانيت .. عانيت .. لكني تجاوزت وحدي، وحدي، وحدي تماما، على مدار سنوات طويلة وأنا أسقط ثم أنهض ثم أزيح ما علق بي، ثم أكمل طريقي ..


استقبل السكين في ظهري، من من شاركتهم كسرة الخبز وشربة الماء، أنزعها دون أبك، وأدعي أنني "متعودة دايما" ..


لكن الحقيقة أنا أتألم، أتألم وأبكي سرا كالصغار، وأنتظر الإعتذار لأغفر ولكنه لم يحدث ..


تحولت من فتاة تنتظر الدعم، إلى أفضل من يقدمه، تحولت من قلب خرج من جانبيه كفين ليربت على من يتألم كما وصفني أحدهم، وربما يبكي معه، إلى قلب من زجاج لا يشعر، لكنه لازال يربت على من يحتاج ..


الخسارات المتتالية ربحتني شيئا هاما، هو أنني الآن في منطقة الأمان ..

"لم يعد لدي شيئا أخسره"


كل مرة أنظر لمرآتي وأنا أمرر أصابعي على وجهي أهمس لنفسي "انتي شاطرة أوي"


خسارتي كانت من وقتي، من مشاعري، من قلبي عندما تهلهل، لكن لم تكن من مبادئي، لم أخسر نفسي، لم أرتكب ذنبا في حق أحدهم، لم أكن غير انسانة وصديقة وحبيبة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، الشرف الذي لن يعي معناه إلا القليلون.


لم تكن ٢٠١٩  مرهقة ومؤلمة، كالسنوات الماضية، لكنها كانت مخيفة، مفزعة، ك البركان، عندما يزيل كل ما على وجه الأرض بقوة النيران، تماما كانت الأمور قوية كالنيران، وتماما بدلت كل شئ بمنتهى البساطة، الأشخاص، الأحوال والنفوس والمقامات، لكنها كشفت كل شئ، النفيس والرخيص، المحب والكاره لك حتى النخاع.

صاحب المبدأ والمدعي، كل شئ كل شئ ..


حتى أنها كشفتني أمام ذاتي، عندما كشفت في نفسي صبرا وقوة وحكمة لن يبلغها إلا رجل كهل، تقوس ظهره من قسوة ما يحمل، أما أنا كلما حملت هما وقسوت على نفسي، انحنت روحي لله، واشتد ظهري أمام البشر ..


بورسعيد | ٢٩ ديسمپر ٢٠١٩ 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو