كنت أعتقد أن صدور رواية باسمي أمرا سهلا وبسيطا؛ وأنني لست سوى فتاة كسولة تتحجج بوظيفتها؛ التي تأكل نصف يومها؛ وكل طاقتها الذهنية والجسدية، رغم أن من عملي وحده تولد الآلاف من القصص والروايات يوميا؛ والتي ربما تصيبني بشرارة من الإلهام؛ والتي تجعل القارئ في حالة من الدهشة التي لا تنتهي ..
صباحي ممل يقتله الروتين، ويغلفه رائحة الألم والظلم؛ والتي تفوح من بين ملفات القضايا، تنتظر شهورا طويلة للبت في أمرها، يرتجي صاحبها العدل، ونرتجي نحن العاملين عليها؛ إنهاء هذه المعركة اللا انسانية، من أجل الشعور ببعض السلام فقط ..
أكتب في الصباح قصص حقيقية؛ أبطالها من عالمنا هذا، أتفاجئ عند فتح بعض الملفات؛ بأسماء مرت بخاطري مرة، أو سمعتها عدة مرات، أحاول أن أعصر ذاكرتي، فتخرج الصورة واضحة عندما تكتمل؛ لأكتشف أن أحد أطراف النزاع كان زميل دراسة أو صديقة قديمة؛ أو جار في حي كنت أسكن فيه فترة كبيرة من عمري، أعود للوراء لسنوات بعيدة عندما كنا صغارا ولا ننتمي لعالم الكبار.
الخصام، الفراق، الشجار، العداوة، مفردات لم نعي معناها إلا عندما صرنا كبارا ..
وعندما صرنا كبارا، أصبحنا كبارا أكثر من اللازم ..
أكره وظيفتي؛ لأنها تكشف الوجه القبيح من العالم، من الناس، من الحياة، ومن نفسي بالمناسبة ..
أدون أسرار وحكايات ومشكلات وصل أمرها إلى سرايا المحكمة، يقاضي الأب أولاده، والزوجة زوجها، والأخوة بعضهم البعض، وجميع الأطراف تدعي أنها صاحبة الحق.
الواقع مؤلم، وأنا لا أنتمي للواقع، ولا أناسب عملي، ولا أصلح أن أكتب حيثيات قضية، أو حتى أقرأها.
أكتب وأنا أمضغ الصبر، وأهون على قلبي، وأقنعه وكأنه طفل صعب ارضاؤه، بأن ساعات العمل أوشكت على الإنتهاء، وأننا سنذهب إلى حجرتي الصغيرة، وسأتمدد على فراشي، لأغفو قليلا ..
سأكتب قليلا بعض السطور في رواية مبتورة كنت قد شرعت في كتابتها من ٢٠١٣ أي بعد صدور كتابي الأول.
أكتب ثم أتوقف .. أكتب ثم أراجع .. ثم أتوقف شهورا .. ثم أعاود الكتابة بشغف ثم يذبل شغفي .. ثم أجبر عقلي أن يفكر في حل .. ثم أغلق حاسوبي شهورا أطول .. ثم أقسم أن لا أكتب .. ثم أشتاق للكتابة .. ثم أكتب ثم أتغير وتتبدل قناعاتي، فأزيل كل ما كتبت وأكتب من جديد ..
الكتابة كانت التعويض العادل عن كل ما تسرب من بين أصابعي، عندما كانت تغلق أمامي أبواب كنت أقصدها بحب، كانت تغلق في وجهي بقسوة، كانت الكتابة دائمًا تنتظرني، كرجل يحب في صمت، ينتظر بعيدا، يراقب دون ملل، يعلم أنه لا مفر من العودة إليه، يعلم أن من ذاقت حلو قبلته حتما ستعود مشتاقة؛ ولو بعد حين!
بورسعيد | ديسمپر ٢٠٢١
تعليقات