التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ذاتي ما بين الشغف والعمل ٣

كنت أعتقد أن صدور رواية باسمي أمرا سهلا وبسيطا؛ وأنني لست سوى فتاة كسولة تتحجج بوظيفتها؛ التي تأكل نصف يومها؛ وكل طاقتها الذهنية والجسدية، رغم أن من عملي وحده تولد الآلاف من القصص والروايات يوميا؛ والتي ربما تصيبني بشرارة من الإلهام؛ والتي تجعل القارئ في حالة من الدهشة التي لا تنتهي ..


صباحي ممل يقتله الروتين، ويغلفه رائحة الألم والظلم؛ والتي تفوح من بين ملفات القضايا، تنتظر شهورا طويلة للبت في أمرها، يرتجي صاحبها العدل، ونرتجي نحن العاملين عليها؛ إنهاء هذه المعركة اللا انسانية، من أجل الشعور ببعض السلام فقط ..


أكتب في الصباح قصص حقيقية؛ أبطالها من عالمنا هذا، أتفاجئ عند فتح بعض الملفات؛ بأسماء مرت بخاطري مرة، أو سمعتها عدة مرات، أحاول أن أعصر ذاكرتي، فتخرج الصورة واضحة عندما تكتمل؛ لأكتشف أن أحد أطراف النزاع كان زميل دراسة أو صديقة قديمة؛ أو جار في حي كنت أسكن فيه فترة كبيرة من عمري، أعود للوراء لسنوات بعيدة عندما كنا صغارا ولا ننتمي لعالم الكبار.


الخصام، الفراق، الشجار، العداوة، مفردات لم نعي معناها إلا عندما صرنا كبارا ..


وعندما صرنا كبارا، أصبحنا كبارا أكثر من اللازم .. 


أكره وظيفتي؛ لأنها تكشف الوجه القبيح من العالم، من الناس، من الحياة، ومن نفسي بالمناسبة ..


أدون أسرار وحكايات ومشكلات وصل أمرها إلى سرايا المحكمة، يقاضي الأب أولاده، والزوجة زوجها، والأخوة بعضهم البعض، وجميع الأطراف تدعي أنها صاحبة الحق.


الواقع مؤلم، وأنا لا أنتمي للواقع، ولا أناسب عملي، ولا أصلح أن أكتب حيثيات قضية، أو حتى أقرأها.

أكتب وأنا أمضغ الصبر، وأهون على قلبي، وأقنعه وكأنه طفل صعب ارضاؤه، بأن ساعات العمل أوشكت على الإنتهاء، وأننا سنذهب إلى حجرتي الصغيرة، وسأتمدد على فراشي، لأغفو قليلا ..


سأكتب قليلا بعض السطور في رواية مبتورة كنت قد شرعت في كتابتها من ٢٠١٣ أي بعد صدور كتابي الأول.


أكتب ثم أتوقف .. أكتب ثم أراجع .. ثم أتوقف شهورا .. ثم أعاود الكتابة بشغف ثم يذبل شغفي .. ثم أجبر عقلي أن يفكر في حل .. ثم أغلق حاسوبي شهورا أطول .. ثم أقسم أن لا أكتب .. ثم أشتاق للكتابة .. ثم أكتب ثم أتغير وتتبدل قناعاتي، فأزيل كل ما كتبت وأكتب من جديد ..


الكتابة كانت التعويض العادل عن كل ما تسرب من بين أصابعي، عندما كانت تغلق أمامي أبواب كنت أقصدها بحب، كانت تغلق في وجهي بقسوة، كانت الكتابة دائمًا تنتظرني، كرجل يحب في صمت، ينتظر بعيدا، يراقب دون ملل، يعلم أنه لا مفر من العودة إليه، يعلم أن من ذاقت حلو قبلته حتما ستعود مشتاقة؛ ولو بعد حين!



بورسعيد | ديسمپر ٢٠٢١ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو