الأحد، 7 أبريل 2024

حديث ذات ٤٤

في كل بيت؛ ركن مهجور حزين ومظلم؛ أسدلت الستائر عليه منذ زمن؛ فتكومت الذكرى فيه وصدى الضحكات والهمهمات؛ ونسجت خيوط العناكيب؛ وتحول لغار ..


غار يسكن فيه رائحة من نحب؛ وبقايا حديثه؛ وجزء من أشياؤه؛ وتجاعيد جلسته على مقعد أو سرير ..


لا نستطيع أن نقترب؛ فالمطارح المهجورة لها لعنتها؛ ربما تصيب من يتجرأ على جلالها؛ فتجعل قلبه يدمي ..




السبت، 10 فبراير 2024

حديث ذات ٤٤

 للجسد ذاكرة ذات كبرياء؛ لا تستدعي الذكرى الأليمة؛ هي تنتظر حدوث الحدث ليخبرك بطريقته القاسية؛ أن ثمة مشاهد متكررة؛ مشاهد وربما مشاعر!


منذ عشرون عاماً تركني الفتى الذي كنت أحب لأن أباه وأبي لم يتفقا ولأسباب أخرى معقدة انفسخت الخطبة؛ ومن حينها وأنا أمارس الفقد والفراق وتارخ الأيدي!


كان غضبي مكتوما وسؤالي الحزين يأبى الخروج للكبار!


ابتلعت غضبي؛ وأخذت أسئلتي الساذجة تحت جلدي ومشيت - مشيت مشوارا طويلاً كنت أبحث في الشارع عن إجابة؛ أو ربما عن فتاي الذي كان يحب السهر حتى الصباح؛ وربما كنت أحاول الهروب!


أظنني كنت أحاول الهروب من البكاء ومن السؤال ونصائح أبي التي كانت في تلك الليلة سبباً في صداع مزمن لقلبي دام لأكثر من عشرون عاماً!


مشيت حتى وصلت لبيت جدي؛ ولكنني لم أصل لشيء لا لفتاي؛ ولا لإجابة سؤالي؛ ولا حتى استطعت الهروب!


ثم توقفت عن السير عندما تعب قدمي؛ ولم يعد لي القدرة أن أسير لكنني أريد أن أمشي بلا توقف؛ لقد كانت رغبة قلبي اللاهث؛ لم تكن رغبة قدمي الذي بالفعل قد وصل لنهاية الرحلة؛ لكن شغف قلبي الذي لم يذبل حينها هو الذي دفعني بأن أسير على الإسفلت وكأنني عصفورة بين السحب؛ عصفورة لكن بقلب كسير!


بالأمس قدمي كانت تؤلمني بقسوة؛ وكأنني انتهيت للتو من مشوارا عمره عشرون عاماً؛ بالأمس جسدي تذكر معركته الأولى؛ سعادته الأولى؛ عناده الأول؛ وشغفه الأول؛ رغم الذبول! 


ثم بكى وبكيت معه حتى الشروق ..


بورسعيد 

١٠ فبراير ٢٠٢٤



الأحد، 28 يناير 2024

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام! 


كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس!


أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟


أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً ..


ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد.



بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤





السبت، 20 يناير 2024

حديث ذات ٣٩

 أنا حامل.

رسالة كتبتها لي صديقتي؛ تحمل بين حروفها صبر سنوات طويلة، تنتظر شهراً بعد شهر، عاماً بعد عام، على مدار عشر أعوام وربما أكثر، ونحن ننتظر، ونتمنى ونحلم، ونصبر وندعو الله أن ينبض رحمها بالحياة؛ ويحقق لها ما تتمنى ..




كنت أتمناه بنتا لأهديها الفساتين والفيونكات وأعلمها الرقص والرسم والعزف على البيانو؛ ثم نتعلم معا كيف نختار طلاء الأظافر المناسب وألوان الروچ؛ ولأمنحها كل الحب والدلال؛ البنات تخطف قلبي؛ وترققه وتترك فيه عذاب وقلق عليهن من الأيام ..




لكن جاء يحيى ليخلصنا من كل هذا التوتر؛ ليبدأ توتراً من نوع آخر؛ توترا بمزاچ الصبيان؛ مرت شهوراً بعد حضور يحيى للحياة؛ وأنا تاركة الشيماء تستمتع بممارسة الأمومة التي طال إنتظارها ..




فتهاتفني "الولد قرب يكمل سنة وانتي ماتعرفيش ملامحه" .




ثم تحمله وتأتيتني به؛ وتتركه على ذراعي؛ أقول لنفسي سرا ..




"مابعرفش أتعامل مع صبيان ياربي"




بكفه النونو ضم أُصْبُعي ومضغه؛ فدغدغ قلبي دغدغة حنونة أحببته؛ وأحببت كل صبيان العالم من أجله ..




تأسرني لغة الأطفال بنين وبنات وتبهج قلبي؛ أتسأل ما الذي يود أن يخبرني به عند ضم أصابعي؛ هل يوصيني بأمه خيراً؛ أم مجرد مصافحة بريئة لعقد صداقة جديدة!  


على كل حال لقد أصبح يحيى يصافحني سلام (رچالة) كفا بكف.

٥ يناير ٢٠٢٠ | بورسعيد 



الجمعة، 19 يناير 2024

حديث ذات ٤٢

وإذا سألتك ياصديقي عن حالُك لا تقُل أنا بخير وأنت غير ذلك.

أنا أرى حالُك في عُيونك، في تلعثُم كلماتك وفي رعشة صوتك الباكي.

قُل لي بصدق عن حالك الذي لا يعلمهُ إلا جُدران حُجرتك، ووسادتك التي تحمل عبء قلبك ورأسك.

أخبرني عن بُكاؤك الذي يحدُث بعد أن تُغلق أبوابك عليك، وبعد أن يرحل الجميع، وبعد أن تنقطع نقر خطواتِهِمْ الثابتة عنك لبعيد.

قُل لي عن تِلك الكلمات التي كتبتها في ورقة ثم ألقيت بها في سلة مُهملاتك حتى لا يرى إنكسَّار رُوحك أحد.

قُل لي ياصديقي، فـ أنا صديقتك المُقربة، لماذا جعلت الجمَّاد أقرب لكَ مني .. ؟


بورسعيد | ٢٠ يناير ٢٠١٧



الخميس، 18 يناير 2024

حديث ذات ٤١

 رغبة في عُطلةٍ طويلةٍ 

مُمتدةٍ لآخر النفق 

نفقِ الحياة التي أحياها

أقصد التي تعيشني كل يوم ..


هُناكَ كوبري بالقرب من مكان عملي

كبري عالٍ وشاهقٍ لكنه ليس عتيقاً

كالناس الذين يسيرون وينامون ويشحذون من تحته ويستترون بظله!


الناس من تحتهِ يشبهونَ الأحجار العتيقة  

التي كانت فحماً شديدَ السواد 

فأحرقته ألسنة النيران التي لا ترحم ..


فصاروا أحجاراً ولكنها ليست كريمة كما نظن! 


بل أحجارٍ تُلقِفها الأقدام ..

 - هُنا القاهرة - 

- ١٩ يناير ٢٠٢٣ -



السبت، 13 يناير 2024

حديث ذات ٤٠

عند عودتي لبورسعيد تستقبلني ماما بالوجبات اللذيذة والكعكات التي أُحب؛ في هذا الصباح صنعت لي بسكوت بالينسون؛ طعمه شهياً وخفيفاً على المعدة المُرهَقة؛ ماما صنعت لي أيضاً كوب شاياً باللبن؛ المشروب الذي يصفونه بمشروب الطيبون!




أعرف طيبون يشربون اللبن سادة لأنهم على حد وصفهم لأنفسهم (طيبون للغاية)! 




أما أنا فكنت أفضل القهوة بجنون لكنني منذ شهوراً إنقطعتُ عن كل الأفعال والعادات التي تجعل قلبي في حالة لهث!




قراءة روايات شديدة العاطفية؛ جلسات مفتعلة غير حقيقية؛ مشروبات تجعل قلبي وكأنه يركض!




وأنا أريد أن أستريح؛ وأن أمارس دلالي حتى لو في أبسط الأشياء؛ ومع هذا أظنني لن أنتمي يوماً ما لنادي الشاي باللبن؛ لأنني ببساطة أحب الأشياء ذات الوجه الواحد! 




الصورة من الإنترنت

١٤ يناير ٢٠٢٤ | بورسعيد




الأحد، 19 نوفمبر 2023

حديث ذات ٣٨

ينقر المطر بحباته على زجاج نافذتي، فأقفز من سريري وكأن أحدهم يناديني، أفتح نافذتي على مصرعيها، وأنا حافية القدمين، يلفحني الهواء البارد، يطير شعري، يطير قميصي، فيشف ما تحته، أنظر للسماء، فتهبط دموعها على وجهي، فلا أعرف هل هذا بكائها أم آثر بكائي ..


أراقب النجوم وهي تبهت، تظل تبهت حتى أظن أنها تحترق، أنظر للقمر وكأني أرجوه أن لا يختفي، ف ليل الشتاء طويل وبارد وليس هناك من يقاسمني قسوته.


أطل بنظري لبعيد لأري الثلاث شجرات، بعد أن أصبحن عاريات من أوراقهن، يقفن في خشوع وكأنهن في صلاة طويلة، رغم الحزن والأسى الذي يبدو على جذوعهن ..


أسمع بكائهن، وأشاركهن أحيانا، فأنا يوما ما كنت شجرة، قبل أن ينبت فوق ظهري جناحين ..


بكاء الشجرة مؤلم، أن تمر من جوارها، أو تستند عليها، أو تنقش عليها أسم من تحب، أو تأتيها الطيور من كل مكان لتنسج بين فروعها عش صغير لفراخها وتعود لهم في المساء ..


ثم يأتيها أحدهم دون حق الرفض أو القبول منها ويسلبها حق الحياة، ويبتر عروقها من الأرض ..


أنظر للقمر من جديد، عاد كطبق من نور، وكأنه اغتسل بالمطر، والنجوم أصبحت أكثر اقترابا، وكأن بيني وبينها أن أقف على أطراف أصابعي، ولكني اختارت أن أطير، أطير كالعصفور الحر، ولكني سأموت واقفة كالشجرة ..




بورسعيد |١٩ أكتوبر ٢٠١٨ 



الخميس، 16 نوفمبر 2023

بنفسج ٣

 


بنفسج | مارس ٢٠٢٢

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا ..

كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا. 


نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات!


ثم تجرأت: في حاجة؟ 

أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟


ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب 

ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري 

نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت.


أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه!


سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات ..

تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب ..

لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث. 


سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني..


سددت بدوري فاتورتي وخرجت: أنا اسمي نهال ومش عاوزة أعرف اسمك وبشتغل في ( .. ) لو احتاجتيني أنا تحت أمرك روحي هناك أي حد هيوصلك ليا.


أخبرتني أنها صائمة وأنها ستدعو الله لي براحة القلب كنت لا أعلم إن انهزام القلب تكشفه الملامح ولو كنت صامته ..


دعوتها على الإفطار في مطعم مفضل لي، وبالفعل توجهنا إلى هناك كانت تكمل قصتها وتبك، لماذا لا يشعر بي ابني، لماذا يجب علي التضحية طوال عمري ..

نصحتها أن تفعل ما تؤمن به ما دام ليس حراما أو عيبا، تركت لها الطاولة وأنا حزينة أحمل همها بين طبقات جلدي إلى الآن ..


القصة منذ سنوات لكنها عالقة بعقلي وقلبي إلى الآن ..

ضعفها وانكسارها يؤلمني كلما تذكرتها، تذكرت تلك الخنقة التي في صوتها، النقاب البالي التي وافقت على ارتداؤه طوال العمر لمجرد أن زوجها يغار عليها وابنها بالتالي. 


الدمعة الحائرة التي تسكن عيونها فتبتلعها كلما تذكرت خيبتها، الرعشة التي بيديها والتي تعلن عن انهزام امرأة أمام عاهات يصنعها الإنسان ..


بنفسج | مايو ٢٠٢٢ 



الأربعاء، 15 نوفمبر 2023

بنفسج ١

تجذبني من أطراف ثيابي، فأنظر لهذا الكائن الذي لا يتجاوز طوله رُكبتي، ثُم أجلس في وضع القُرفصاء ليتساوى الطول بيننا، وتقترب المسافات.


چنة، اِسمُها چنة، طفلة جميلة، خفيفة الظل، وليست مُطيعة، عنيدة، ذكية، ومُشاغبة ..


وللحق أنا أُحب الأطفال اللذين نقول عليهم "أشقياء" إن جئنا للحق نحن الأشقياء، المُتعِبين، المُتعَبين، لكن هم رُوح المكان، رُوح العالم بآسره، صوت الملائكة آينما حلّت في أي بقعة على الأرض.


طلبت مني چنة أن أُهاتف أُمها، لتحضر حفل عيد ميلادها، لقد اشترت لها "چنة" كارتاً مكتوب عليه بخطٍ مرتعش "بحبك ياماما".


طلبتُ من چنة أن تمنحني الوقت وتصبر قليلاً، عقدت حاجبيها ووضعت ذراعها الصغير على خصرها وردت "لحد امتى".


ابتعلتُ ضحكتي، فأنا مُعلمتها ويجب عليَ أن ألتزم بالقليل من الحزم، أنا أُحاول طوال الوقت، لكنني أريد ان أخلع رداء الكبار وأركض معهن حتى أرتمي على الأرض مثلهن.


كذبتُ عليها وأخبرتها أنني اتصلت بالفعل بأُمها، وأنها ستحضر، لكن الحقيقة أن أُمها إعتذرت عن الحضور، وأخبرتني أنها لن تحضر مرةٍ ثانية، لأن زوجها رافضاً أي إتصال بشيئ يُذكرها بزوجها الأول.


القصص في الدار تقريباً مُتشابهة، بإختلاف الأسماء والأعمار، الألم تقريباً مذاقه واحد، والمرارة في كل جوف منهن عالقة، والظروف قاسية عليهن جداً، وقلوبهن جائعة وأعتقد أنها لن تشبع ..


لفظتهن أُمهاتهن، وطُردن من بُيوتهن، وحُرمن من السكن والتعليم والحياة السوية، وغداً سيُنظر لهن المُجتمع نظرة دُونية، لأنهن خطيئة الكبار اللذين جهلوا ماذا يعني بِر الأبناء.


للأبناء أيضاً بِر مثل الوالدين، حق عليهم الحياة الكريمة والبيت السوي، حق عليهم الإختيار الجيد للأب والأم، حق عليهم تطبيبَهًم، وتعليمهم، ومنحهم المحبة الكاملة، وحق على المُجتمع أن يخرج له نماذج سوية أخلاقياً ونفسياً، فكفى بالسجون ودور الأحداث والرعاية نُزلاء، وما خفي في البيوت كان أشد إيلامًا ..



بنفسج | أبريل ٢٠٢٢



حديث ذات ٤٤

في كل بيت؛ ركن مهجور حزين ومظلم؛ أسدلت الستائر عليه منذ زمن؛ فتكومت الذكرى فيه وصدى الضحكات والهمهمات؛ ونسجت خيوط العناكيب؛ وتحول لغار .. غا...