التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

عرض المشاركات من أكتوبر, ٢٠٢٣

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو

حديث ذات ٣٦

كُنا صِغاراً ننتظر القطار بلهفه، نُراقبه من بعيد حتى يقترب، يقفُ دقائق معدودة على رصيف الإنتظار، فيجري نحوه زُملائي بخطواتٍ مجنونة وضحكاتٍ بريئة .. فتايات وصبيان فارحين بإنتهاء الإمتحانات والسهر وعناء السفر طوال العام كانوا يتزاحمون من منهم سيركب أولاً، ليجلس بجوار النافذة ويُراقب الطريق ويُداعب الهواء ويحكي للنجوم قصصه القصيرة .. أما أنا لا أزاحم احد ولا أركض، كنت أركب بهدوء وعلى وجهي إبتسامة صافية وعلى ظهري حقيبة مُحملة بثيابي وأدواتي وأحلامي الصغيرة وبعض رسائل أرسلتها لي بين طيات كتاب، وفي قلبي حنين أن أجلس بجوارك .. أعلم أنك تنتظرني، رأيتك من خلف زجاج النافذة وأنت تبحث عني بينهم بنظرات صِبيانية وبيدك كيس من الحلوى وقطع الشيكولاتة التي أٌحبها وباليد الأُخرى ورقة الإمتحان، كان آخر يوم لك في الإمتحانات وكُنت أنا كذلك ..  كنت مُتعبة وُمرهقة وكنت أُحبك جداً، ركبت القطار وكان الزحام حولي يخنقْ الحميع إلا أنا .. لا شعرتُ بزحامْ ولا بعناء سفرٍ طويل ما دُمت أنت رفيقي .. جلستُ بجوارك في المقعد الخالي، وإستندتُ على ذراعك وغفوتُ في أمان حتى وصلنا إلى الوطنْ .. بورسعيد |١٧ أكتوبر ٢٠١٦ 

حديث ذات ٣٥

بعض الليالي تأتي وكأنها صدى صوت وضوء لليالٍ أخرى؛ كانت في الماضي البعيد؛ فتنقسم الصورة أمامك إلى صورتين قبل وبعد! وفيما بينهما أيام وليال أخرى؛ ساعات ليلها أطول؛ وشمسها كنيران عدو؛ كان جسدك فيها بريئا؛ لم تدهسه خطوات العابرون؛ وقلبك عذري لم يلمسه إنس ولا جان؛ وعروقك مرسومة كسنابل القمح تزين جسدك البض. لكن تأتي الليالي تلك؛ تضعك بين فكيها كاللقمة؛ فتذوب نضارتك ورقتك وينطفأ بريقك وتتشابك سنابلك ثم تُمزق؛ ويتحول جسدك البض إلى خريطة ألم؛ تلك هي أفاعيل الليالي الأولى .. وتأتي صداها بعد سنون طويلة؛ لتذكرك بهزيمتك الأولى .. فتهمس لها ساخراً؛ لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها. ثم تُحدث ذاتك: ما أشبه اليوم بالبارحة! هنا القاهرة  ١٤ أكتوبر ٢٠٢٣

الإمتنان اليومي ٢

منذ فترة قصيرة؛ ضبطت الهاتف على تذكيري بساعة محددة يومياً لتفعيل قيمة الإمتنان اليومي؛ قيمة تجعلني أتأمل يومي باحثة عن النعم والفرص والهبات التي منحها الله لي دون أن أستشعر قيمتها؛ فأجدني كل يوم ممتنة لنعمة جديدة؛ هي في الأصل ثابتة في وليست بجديدة؛ لكنه التعود الذي أعمى القلب وجعلته لا يرى بوضوح؛ فنحن غارقون في النعم؛ تتقلب أجسادنا وأرواحنا في شلالات من النعم؛ دون أن نلاحظ! اليوم أنا ممتنة للورود التي اختصرت علي الكثير من البوح؛ وكل مرة ترفع عني عناء الحديث؛ ممتنة لعم مجدي الذي يشاركني الإهتمام بقبر بابا؛ وممتنة لله الذي منحني الكثير من النعم دون أن يلوي كرامتي وعايرني بمساندته أو طلب مني شكراً أو رداً للجميل؛ لأنه هو سبحانه أصل الجمال في الأرض والأشياء وفينا ..  اللهم إمتناناً لا ينقطع اللهم علمنا دون أن تحرمنا. ٥ أكتوبر ٢٠٢٣ - بورسعيد 

الإمتنان اليومي ١

إمتنان اليوم وكل يوم لله؛ الذي يمنحنا مع كل صباح ثوبٍ جديد؛ اليوم سأرتدي ثوب يليقُ بالصباح الرائق؛ وهدوء مدينتي؛ وبيوم أطلقوا عليه اليوم العالمي للإبتسامة .. نعم سأرتدي ابتسامة! للإبتسامة سر في حياتي؛ دائماً وأبداً على مر سنوات عمري يلاحظون الناس ابتسامتي الواسعة؛ أنا أبتسم من قلبي؛ لم يحدث في حياتي أنني ابتسمت لمجرد إن الصورة تطلع حلوة! الإبتسامة فِعل قلبي؛ والقلب لا يجيد فنون الزيف والخداع؛ أو ربما قلبي أنا؛ قلبي الذي أجهده الإبتسام وقت السعادة ووقت الآسى؛ وقت الإنتظار ووقت الوصول؛ أما وقت الألم فله ابتسامة خاصة! ابتسامة الألم؛ ستجدها بعيون دامعة؛ ربما تكون شفتاي أقل انفراجا؛ وهنا تستطيع أن تتخيل ملامحي نص بيضحك والتاني زعلان! لكن رجاءً عندما تراها تجاهلها؛ إياك ومحاصرتي أو رشقي بسؤال مالك! امتنان اليوم لله الذي ألهمني الإبتسام في كل أوقاتي؛ وجعلها سهلة وقت الصعاب. الحمد لله الذي جعل آية  "وضحكت فبشرناها" قنديلا لطريقي وبيانا ووعدا صريحا بأن مع الضحك بشرى ومع الإبتسامه صدقة ومع العسر يسرا. تبسموا رغم كل شيء؛ فإن الله يحب أن يرانا سعداء. ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٤

الحياة كتاب؛ بل مجموعة قصصية! تظن أنك قارئها؛ ولكن الحقيقة أنك البطل والمؤلف؛ لكل قصة .. كل يوم حال مختلف؛ شعور مغاير؛ درس مستفاد؛ ظالم مرة ومظلوم مرة؛ تظن أنك مع مرور العمر تتأكل نفسياً ثم تهرم وتشيخ .. لكنك تنسى أنك أصبحت صاحب خبرة وصاحب معلومة وأهل للنصيحة؛ وخرجت من مربع المفعول به إلى مربع الفاعل .. ؛الآن أنت قوي متين؛ رحيم القلب؛ لين الطبع؛ واثق من نفسك؛ راض عن ماضيك؛ وتستقبل الأقدار برضا وثبات؛ فلا تخفض رأسك؛ بل ارفع لذاتك القبعة .. بورسعيد | ٨ أكتوبر ٢٠٢٣

"وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"

 صباحي اليوم من بورسعيد  اليوم نويت زيارة بابا؛ فذهبت كعادتي لبائعة الورد أطلب باقة من أربعة ورود بلدي؛ كانت الفتاة تختار الورد بعناية عجيبة؛ ثم ضمتهم وعقدتهم بشريطاً أسودِ اللون!  دون أن أخبرها أن الورد لحبيب نائم منذ ستة عشر عاماً .. الشمس اليوم هادئة الحرارة؛ والهواء لطيفاً والشوارع هادئة؛ طقساً رحيماً يليقُ بقلبٌ مُلتاعٌ؛ أتعبه الغياب! يمر سائق التاكسي على مقابر الشهداء؛ فأطل برأسي من شباك التاكسي مدققة النظر على المقابر ثم همهمت بالفاتحة سراً وما أن اِنتهيتُ من التلاوة والدعاء؛ حتى وچدت نفسي أمام بوابة المقابر التي ينام بها بابا. ترجلتُ بهدوء حاملة باقة الورد في ضمة يدي؛ أحدث ذاتي! هنا يسكن الجميع؛ وهنا سأسكن أنا .. وذهبت أسأل على العم مجدي صديقي الذي يعتني بقبر أبي في غيابي .. وچدته بعيداً ينظف أحد المقابر ويروي زرعه؛ رآني فهرول نحوي متبسماً وقال أم الخضر حمد الله على سلامتك. وانطلق ليعد عدة النظافة؛ وأنا بجوار بابا أنتظره؛ أراقب آثار غيابي على المكان؛ لقد مات الكثير من الزرع ويبدو أن هناك زرعاً جديداً؛ المكان فعلاً به الكثير من التغييرات!  أنا أعتني بقبر بابا وكأنه بيته؛ حجرته؛