التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أحلى أيام العمر

منذ فترة؛ جائني إشعارا يعلن عن إنضمامي لجروب على الواتساب ..

أقوم بفتح الواتساب وأنا مضجرة؛ تزعجني الإشعارات؛ والأحاديث التي ليس لها أول من آخر ..


كما أنني أكره نظام "الشلة" وأكره أيضا أن يخطفني أحدهم من عزلتي المحببة ..


وجدتني بين أرقام لا أعرف هوية أصاحبها؛ تتقاذف الرسائل والوجوه المضحكة فيما بينهم؛ وأنا أشعر بالإستفزاز ..


لكن كان هناك من بين الأرقام رقم أو رقمين مدرجين في قائمة الأسماء بهاتفي؛ لابد وأن أسأل احداهن ..


أنا أود أن أخرج لكن الفضول يقتلني ..

من هؤلاء؟

ومن أنا بينهم؟ 

ولماذا أنا هنا؟

أطل بعيوني على اسم الجروب لأجده "أحلى أيام العمر" فأبتسم بسخرية؛ لقد كفرت بهذه المعاني!


قررت أن أسأل احدى صديقاتي؛ والتي قذفتني في تلك الغرفة الدافئة: مين دول؟ 


-دول دفعة الكلية يا نهال.

وكأنني في لحظة سافرت عبر آلة الزمن إلى الماضي؛ صمت وعدت لأراقب حديثهم الجميل؛ وشئ في قلبي يئن؛ الجميع يحكي بلهجة حزينة ماذا فعلت به الحياة؛ وإلى أي شط آلقت به؛ وكم خسر؛ وكم كسب؛ ومتى صبغ الزمن شعره بالرمادي؛ وكيف استقر الشيب في قلبه ..


ثم خطفني منهم صوت قطار وقذف بي على رصيف فارغ من المسافرين؛ الجميع عاد إلى داره وترك الرصيف وترك القطار؛ وأنا عدت معهم؛ لكن شيء بتر مني هناك وتركني للأبد؛ ورفض العودة معي ..


وكأنهم يعلمون ماذا جرى بي؛ وجدت الجميع يسأل فين نهال؟

على استحياء لا أعرف سببه رددت أنا معاكم يا جماعة وحشتونى فعلا 


شعرت بالإجهاد فجأة؛ كنت أود أن أبك؛ كنت أود أن تخرج دموعي المالحة للخارج لا للداخل مثل كل مرة .. 


كنت أفتقد الجميع؛ أو ربما أفتقد نفسي؛ لا أعلم؛ لكن الأكيد أن الحياة لا تعود للوراء ..


أخذنا الحديث عن أمور شتى؛ حتى ذكرنا زميلنا الذي رحل عنا بلا قطار؛ وأرسلنا له الفاتحة دون بريد، كان أول الراحلين عن رصيفنا؛ رصيف مزدحم بالتفاصيل الحلوة؛ بالوجوه الشابة؛ والضحكات؛ والأحلام؛ والقلق؛ والشغف؛ والحماس؛ والخوف؛ وبعض الأمان؛ والكثير والكثير من السعادة التي ذابت مع الأيام؛ وتركت علقمها في جوف قلبي ..


بعد أيام؛ قررت الخروج من الجروب؛ لم أكتفي بقلة حديثي؛ وكلماتي المحدودة؛ لم أكتفي بإسكات رنين الرسائل ..


أنا لا أود أن أغزل خيوط جديدة تربطني بالماضي؛ أريده على صورته الأخيرة؛ زاهيا؛ جميلا؛ براقا؛ وفي الخلفية ضحكاتي العالية ..

 

تمنيت لو كتبت لهم كلمات فراق؛ لكن ما الفائدة؛ نحن بالفعل تفرقنا منذ زمن؛ أما الحاضرون الآن؛ هم أبناء التجربة!

ترسل لي احداهن؛ لتخبرني بأن الأغلبية لاحظ خروجي؛ فتبعني من تبعني وخرج بالتالي؛ أجيبها الجميع خرج لأن الوقت فعل فعلته أصبحنا غرباء وابتعلتنا الحياة وقذفت كل منا في واد بعيد عن الآخر؛ وأصبح القرب يؤلم؛ يؤلم جدا 



بورسعيد |٢٥ سبتمبر ٢٠٢١





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو