أُحب الپيانو .. كانت أول الآلات التي عزفتُ عليها، وكانت أجمَّل هدايا أُمي لي يوماً ما، حاولتُ أن أتعلم العزفُ على أي آلة أخرى، ولكن ظل الپيانو هو أحب الآلات إلى قلبي .. ربمَّا لإنسياب أصابعي؛ وتنقُلها بين أسوَّده وأبيضه وكأني أطير .. يُذكرني الپيانو بالبشر منهُم الطيبون والأشرار؛ يتجاورون، يتعاملون، ويتشاركون الحياة، ويعزفون معا لحنها؛ فتتناغم وتصير متوازنة؛ فتُطرب لها آذاننا، وتُهز لها رُؤوسنا إعجاباً، رغم الألم أحياناً .. علمني الپيانو .. أن أرضى بالتعامل مع الأسود، أقصد الأشرار، وأن أعزف على قلوب البشر بالكلمَّات والألحان، كلمَّاتٌ مُحبة وألحان مَّحبة، أعزف لهم، ولا أعزف عنهم! العزُوف عنهم لن يأتي بألحانٍ شجية، لنْ تُفرحني، لن تُبكيني، ولن تُعلمني كيف تكون الحياة .. لن تُثمر بتجارب وتعاليم، رُبمَّا يُعصمني من الألم، ولكن سأتحول لكائن شمعي، لا عقل فيه ولا رُوح، لا ذكرى ولا ماضي، ومن لا ماضي له ليس له حاضر، وليس له قلب يدق حتى لو ألمَّاً، فالقليلُ من الألم حياة .. بورسعيد | ٣١ أكتوبر ٢٠٢١