( 1 )
كلما نويت الكتابة تشابكت أفكاري، وقفزت حروفي بعيداً؛ فيصيبني التوتر، وأغلق حاسوبي بغضب وأنام!
وعند الفجر تؤرقني فكرة، كطفلا بجوار أمه يصرخ ليوقظها لتعطيه ثديها، أقفز من سريري لأدون أفكاري قبل أن تتلاشى مني، الكتابة مثل الحب تأتي دون نية ودون قصد ودون سابق إنذار ..
( 2 )
كل صباح أتفقد صندوق البريد الخشبي، مازلت أراسل أصدقائي على الطريقة القديمة، أرسل لأحدهم رسالة على ورق برائحة الليمون لأخبره أنني بمزاج منتعش وأود أن أخرج معه في نزهه برية؛ أرسل أخرى إلى صديقة تسكن بعيداً؛ أكتب لها أنني حزينة ومتعبة، أكتبها على ورق برائحة الڤانيلا، دائما الڤانيلا توقظ فينا الحنين، وأنا أعاني حنينا لا ينتهي.
أراسل امرأه عجوز تسكن في حي قريب، من الممكن زيارتها في أي وقت، لكن الفعل الأقرب إلى قلبي أن أكتب لها، أكتب لها حتى أبوح دون تحفظ وخجل رسالة قصيرة على ورق بمزاج الريحان، وهو أنني أشعر بالأمان، وقلما ما شعرت ..
يراسلني رجلاً كل مساء يكتب لي كيف كان صباحه، وكيف كان حلم الليلة الماضية، يطالعني جريدته، ويخيرني ألوان بذلة كل اجتماع، يطلب مني اسم عطر، لكنني آدعي بأنني لا أعرف، فأختيار عطر لأحدهم هو أول طريق التوحد معه، وأنا لا أصلح ..
( 3 )
أصبحت لا أتحمل حرارة الصيف، أغسطس دائماً يصيبني بحمى، ويجعلني ضعيفة، أتكبد عناء الطريق في الصباح أثناء الذهاب إلى عملي، أما عند العودة، يغلبني النعاس والألم والإحتياج إلى راحة، أتمدد على سريري بعض ساعات، أبحث عن الراحة في جسدي لا أجدها، أعلم أنني مازلت متعبة، وأن التعب في الأصل من رأسي، وأنا رأسي لا يهدأ ..
يقولون بأن الشتاء فصل الحنين، وأن الصيف فصل الإلهام، وأقول أنا أن جميع الفصول حزينة ما دمت وحيداً ..
( 4 )
أضع نباتات على عتبة منزلي لا أعرف اسمها كل ما أعرفه اني أنتظر الصباح لأرويها بماء مقطر بالسكر، فأراها تكبر يوماً من بعد يوم، كلما كبرت كلما تعلق قلبي بها أكثر ..
-تسألني رفيقتي، ما اسمها؟
-أجيبها: لا أعرف
أعجبني شكلها، فأنقذتها من بائع يضع كل قصاقيص الزرع دون عناية، رأيتها چميلة دون غيرها، چميلة ووحيدة، تستحق العناية والحب ..
أخذتها إلى منزلي وأنا لا أعرف حتى كيف أرعاها، هل تحتاج للنور أم الظلام لتنمو، هل تحتاج الماء بالسكر أم الماء وحده دون سكر ..
فقررت أن أعطيها مما أحب، منحتها النور، رويتها بالماء والسكر، وألقيت عليها كلمات الغزل ..
كبرت، قاومت الذبول، ونبتت من جوارها ورقة خضراء ..
بورسعيد | ٢١ أغسطس ٢٠٢٢
تعليقات