التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٢٦

 ( 1 )


كلما نويت الكتابة تشابكت أفكاري، وقفزت حروفي بعيداً؛ فيصيبني التوتر، وأغلق حاسوبي بغضب وأنام!

وعند الفجر تؤرقني فكرة، كطفلا بجوار أمه يصرخ ليوقظها لتعطيه ثديها، أقفز من سريري لأدون أفكاري قبل أن تتلاشى مني، الكتابة مثل الحب تأتي دون نية ودون قصد ودون سابق إنذار ..

 


( 2 ) 


كل صباح أتفقد صندوق البريد الخشبي، مازلت أراسل أصدقائي على الطريقة القديمة، أرسل لأحدهم رسالة على ورق برائحة الليمون لأخبره أنني بمزاج منتعش وأود أن أخرج معه في نزهه برية؛ أرسل أخرى إلى صديقة تسكن بعيداً؛ أكتب لها أنني حزينة ومتعبة، أكتبها على ورق برائحة الڤانيلا، دائما الڤانيلا توقظ فينا الحنين، وأنا أعاني حنينا لا ينتهي. 


أراسل امرأه عجوز تسكن في حي قريب، من الممكن زيارتها في أي وقت، لكن الفعل الأقرب إلى قلبي أن أكتب لها، أكتب لها حتى أبوح دون تحفظ وخجل رسالة قصيرة على ورق بمزاج الريحان، وهو أنني أشعر بالأمان، وقلما ما شعرت .. 


يراسلني رجلاً كل مساء يكتب لي كيف كان صباحه، وكيف كان حلم الليلة الماضية، يطالعني جريدته، ويخيرني ألوان بذلة كل اجتماع، يطلب مني اسم عطر، لكنني آدعي بأنني لا أعرف، فأختيار عطر لأحدهم هو أول طريق التوحد معه، وأنا لا أصلح ..



( 3 ) 


أصبحت لا أتحمل حرارة الصيف، أغسطس دائماً يصيبني بحمى، ويجعلني ضعيفة، أتكبد عناء الطريق في الصباح أثناء الذهاب إلى عملي، أما عند العودة، يغلبني النعاس والألم والإحتياج إلى راحة، أتمدد على سريري بعض ساعات، أبحث عن الراحة في جسدي لا أجدها، أعلم أنني مازلت متعبة، وأن التعب في الأصل من رأسي، وأنا رأسي لا يهدأ ..


يقولون بأن الشتاء فصل الحنين، وأن الصيف فصل الإلهام، وأقول أنا أن جميع الفصول حزينة ما دمت وحيداً .. 


( 4 )


أضع نباتات على عتبة منزلي لا أعرف اسمها كل ما أعرفه اني أنتظر الصباح لأرويها بماء مقطر بالسكر، فأراها تكبر يوماً من بعد يوم، كلما كبرت كلما تعلق قلبي بها أكثر ..


-تسألني رفيقتي، ما اسمها؟ 

-أجيبها: لا أعرف 


أعجبني شكلها، فأنقذتها من بائع يضع كل قصاقيص الزرع دون عناية، رأيتها چميلة دون غيرها، چميلة ووحيدة، تستحق العناية والحب ..


أخذتها إلى منزلي وأنا لا أعرف حتى كيف أرعاها، هل تحتاج للنور أم الظلام لتنمو، هل تحتاج الماء بالسكر أم الماء وحده دون سكر ..


فقررت أن أعطيها مما أحب، منحتها النور، رويتها بالماء والسكر، وألقيت عليها كلمات الغزل ..

كبرت، قاومت الذبول، ونبتت من جوارها ورقة خضراء ..


بورسعيد | ٢١ أغسطس ٢٠٢٢



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد