التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٣٣

تُناديني أُمي من بعيد، تُلوح بيديها تاره يميناً وتاره يساراً، فأُحاول أن أستجيب لرغباتها المُستحيلة، لكن تأتي الأمواج بما لا تشتهي "ماما" ..

تجذبني الأمواج بعيداً عن الشط، فتقترب وتشاور لي بغضب أن أخرج للبر .. 


أضحك بصوت عال وأقول وكأنها تسمعني "هو أنا صغيرة يا ماما" ..


أُرسل إليها توسلاتي بأن تصبر قليلاً، فلا تصبر، تُلح عليّ وتنظر هُنا وهُناك على من يُساعدها في اقناعي للخروج ..


وأنا لا أُبالي، أعود بظهري للأمواج، أغطس برأسي وثقل جسدي، وأترك روحي تذوب، الآن لدي الفُرصة الكاملة أن أبكِ دون أن يراني أحد، أن أتحدث للسمَّاء وللبحر، أن تخرج مني دُموعي المَّالحة فتذوب مع البحر ورُبمَّا لا تعود ..


فُرصة أن أهدأ، أن أتحرر، أن ألهو بالموج، مِثلمَّا يلهو بي ..

يجذبني البحر للداخل، للداخل جداً، أبتعدُ عن أُمي، ليس الآن بإرادتي، أنظُر إليها فأرى حجمها صغير لا أعلم هل القلق علي إبتلعها، أم زادت المسَّافات بيني وبينها، هي على الأرض ثابته ولكن الخوف يقتلها، وأنا في البحر أُوشك على الغرق، ولكني لستُ خائفة.


الموج ثائر، والشمس البُرتقالية أرسلت اشاراتها الدافئة بأن يخرج الجميع، حان موعد نومها، هي الآن يجبُ أن تغطس في البحر وحدها، لا أحد سواها ..


تخشى علينا أُمهاتنا من البحر وأمواجه، كمَّا تخشى من الحياة وتقلُباتها، تُوصي بالوصايا والنصائح، فنحفظها عن ظهر قلب، لكن عند مواجهة العالم، ومُلاطمة أمواج الحياة، حتى ولو كنا نُدرك فنون السباحه، أحياناً - أحياناً كثيرة - نضعُ كل ما حفظناه جانباً، لنتعلم دروساً جديدة، رُبمَا أكثر ألمَّا لكن هي الأكبر والأقوى أثراً ..


٢٧ سبتمبر ٢٠١٨ | بورسعيد 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد