تُناديني أُمي من بعيد، تُلوح بيديها تاره يميناً وتاره يساراً، فأُحاول أن أستجيب لرغباتها المُستحيلة، لكن تأتي الأمواج بما لا تشتهي "ماما" ..
تجذبني الأمواج بعيداً عن الشط، فتقترب وتشاور لي بغضب أن أخرج للبر ..
أضحك بصوت عال وأقول وكأنها تسمعني "هو أنا صغيرة يا ماما" ..
أُرسل إليها توسلاتي بأن تصبر قليلاً، فلا تصبر، تُلح عليّ وتنظر هُنا وهُناك على من يُساعدها في اقناعي للخروج ..
وأنا لا أُبالي، أعود بظهري للأمواج، أغطس برأسي وثقل جسدي، وأترك روحي تذوب، الآن لدي الفُرصة الكاملة أن أبكِ دون أن يراني أحد، أن أتحدث للسمَّاء وللبحر، أن تخرج مني دُموعي المَّالحة فتذوب مع البحر ورُبمَّا لا تعود ..
فُرصة أن أهدأ، أن أتحرر، أن ألهو بالموج، مِثلمَّا يلهو بي ..
يجذبني البحر للداخل، للداخل جداً، أبتعدُ عن أُمي، ليس الآن بإرادتي، أنظُر إليها فأرى حجمها صغير لا أعلم هل القلق علي إبتلعها، أم زادت المسَّافات بيني وبينها، هي على الأرض ثابته ولكن الخوف يقتلها، وأنا في البحر أُوشك على الغرق، ولكني لستُ خائفة.
الموج ثائر، والشمس البُرتقالية أرسلت اشاراتها الدافئة بأن يخرج الجميع، حان موعد نومها، هي الآن يجبُ أن تغطس في البحر وحدها، لا أحد سواها ..
تخشى علينا أُمهاتنا من البحر وأمواجه، كمَّا تخشى من الحياة وتقلُباتها، تُوصي بالوصايا والنصائح، فنحفظها عن ظهر قلب، لكن عند مواجهة العالم، ومُلاطمة أمواج الحياة، حتى ولو كنا نُدرك فنون السباحه، أحياناً - أحياناً كثيرة - نضعُ كل ما حفظناه جانباً، لنتعلم دروساً جديدة، رُبمَا أكثر ألمَّا لكن هي الأكبر والأقوى أثراً ..
٢٧ سبتمبر ٢٠١٨ | بورسعيد
تعليقات