التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٢٩

أشعُر بالخريف، يقترب نحوي بخجل، يترك على خدي قُبله باردة، ويُدغدغ في قلبي ببعض حنين .. 


أنظُر إلى الأشجار، لازالت بحُلتها الخضراء، تتمايل أوراقها بحُزن رقيق، تدنو مني، فأقف على أطراف أصابعي لألمسها، أُفكر في نزعها، فأذكر نفسي بالماضي البعيد، عندما كُنت طفلة، كانت تجذبني الزهور، فأُحاول نزع واحدة، فتُوبخني أُمي بكلمات رغم رقتها إلا أنها تركت في قلبي رهبة، ورعشة سرت في صدري خوفاً مِمَّا قالت .. 


- تحبي حد يجي ياخدك مني؟

بعيونٍ حائرة ويدُور في رأسي الصغير استفهام، ما علاقة سُؤالك يا أمي بما فعلت!


ثم أجيبها: لا 

خلاص، لو قطفتي الوردة كل الورد اللي حواليه هيزعل ويموت! 


يموت!

يموت!

يموت!


نعم، هذا هو أكبر مخاوفي في الحياة، المَّوت، الذبُول، الوداع، الفراق .. 


النهاية دائمًا تُقلقني، وتقسم قلبي نصفين، حتى لو كان قلبي لم يعد في المهد صبياً، لم يعد بكراً، لم يعد بكامل عافيته!


لكن يظل في القلب شيءٌ يتجدد مع كل فصل، أقصد مع كل قصة!

رُبمَّا الأمل، أن الحياة تدبُ فيه من جديد، وأن الربيع يظل في أرضه لا يرحل، وأن لا تتساقط أوراقه وتتعرى غصونه، وتذبُل نياطه، فنمُّوت!


الحُزن يُميت، والحُب يُميت، والورد إن فارق أرضه مات، ورُبمَّا يمُّوت رِفاقه من حوله مِثلمَّا تعتقد أُمي، أو مِثلمَّا جعلتني أؤمن، فبعض ما نعتقد ونُؤمن مُجرد خرافات وأساطير نُسجت من خيال أُمهاتنا، من أجل تهذيبنا، وترهيبنا من التجربة ..


التجربة، التي تبدو لهن شبح أسود مُخيف يلتهم صغارهن، ويقتل البراءة فيهم، ورُبمَّا سُمعتهم عند الكبر، وتبدو لنا شغفٍ ومُتعة وحياة، حتى لو مع قطفِ وردة ..



بورسعيد | أغسطس ٢٠١٨ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد