أشعُر بالخريف، يقترب نحوي بخجل، يترك على خدي قُبله باردة، ويُدغدغ في قلبي ببعض حنين ..
أنظُر إلى الأشجار، لازالت بحُلتها الخضراء، تتمايل أوراقها بحُزن رقيق، تدنو مني، فأقف على أطراف أصابعي لألمسها، أُفكر في نزعها، فأذكر نفسي بالماضي البعيد، عندما كُنت طفلة، كانت تجذبني الزهور، فأُحاول نزع واحدة، فتُوبخني أُمي بكلمات رغم رقتها إلا أنها تركت في قلبي رهبة، ورعشة سرت في صدري خوفاً مِمَّا قالت ..
- تحبي حد يجي ياخدك مني؟
بعيونٍ حائرة ويدُور في رأسي الصغير استفهام، ما علاقة سُؤالك يا أمي بما فعلت!
ثم أجيبها: لا
خلاص، لو قطفتي الوردة كل الورد اللي حواليه هيزعل ويموت!
يموت!
يموت!
يموت!
نعم، هذا هو أكبر مخاوفي في الحياة، المَّوت، الذبُول، الوداع، الفراق ..
النهاية دائمًا تُقلقني، وتقسم قلبي نصفين، حتى لو كان قلبي لم يعد في المهد صبياً، لم يعد بكراً، لم يعد بكامل عافيته!
لكن يظل في القلب شيءٌ يتجدد مع كل فصل، أقصد مع كل قصة!
رُبمَّا الأمل، أن الحياة تدبُ فيه من جديد، وأن الربيع يظل في أرضه لا يرحل، وأن لا تتساقط أوراقه وتتعرى غصونه، وتذبُل نياطه، فنمُّوت!
الحُزن يُميت، والحُب يُميت، والورد إن فارق أرضه مات، ورُبمَّا يمُّوت رِفاقه من حوله مِثلمَّا تعتقد أُمي، أو مِثلمَّا جعلتني أؤمن، فبعض ما نعتقد ونُؤمن مُجرد خرافات وأساطير نُسجت من خيال أُمهاتنا، من أجل تهذيبنا، وترهيبنا من التجربة ..
التجربة، التي تبدو لهن شبح أسود مُخيف يلتهم صغارهن، ويقتل البراءة فيهم، ورُبمَّا سُمعتهم عند الكبر، وتبدو لنا شغفٍ ومُتعة وحياة، حتى لو مع قطفِ وردة ..
بورسعيد | أغسطس ٢٠١٨
تعليقات