التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بنفسج ١

تجذبني من أطراف ثيابي، فأنظر لهذا الكائن الذي لا يتجاوز طوله رُكبتي، ثُم أجلس في وضع القُرفصاء ليتساوى الطول بيننا، وتقترب المسافات.


چنة، اِسمُها چنة، طفلة جميلة، خفيفة الظل، وليست مُطيعة، عنيدة، ذكية، ومُشاغبة ..


وللحق أنا أُحب الأطفال اللذين نقول عليهم "أشقياء" إن جئنا للحق نحن الأشقياء، المُتعِبين، المُتعَبين، لكن هم رُوح المكان، رُوح العالم بآسره، صوت الملائكة آينما حلّت في أي بقعة على الأرض.


طلبت مني چنة أن أُهاتف أُمها، لتحضر حفل عيد ميلادها، لقد اشترت لها "چنة" كارتاً مكتوب عليه بخطٍ مرتعش "بحبك ياماما".


طلبتُ من چنة أن تمنحني الوقت وتصبر قليلاً، عقدت حاجبيها ووضعت ذراعها الصغير على خصرها وردت "لحد امتى".


ابتعلتُ ضحكتي، فأنا مُعلمتها ويجب عليَ أن ألتزم بالقليل من الحزم، أنا أُحاول طوال الوقت، لكنني أريد ان أخلع رداء الكبار وأركض معهن حتى أرتمي على الأرض مثلهن.


كذبتُ عليها وأخبرتها أنني اتصلت بالفعل بأُمها، وأنها ستحضر، لكن الحقيقة أن أُمها إعتذرت عن الحضور، وأخبرتني أنها لن تحضر مرةٍ ثانية، لأن زوجها رافضاً أي إتصال بشيئ يُذكرها بزوجها الأول.


القصص في الدار تقريباً مُتشابهة، بإختلاف الأسماء والأعمار، الألم تقريباً مذاقه واحد، والمرارة في كل جوف منهن عالقة، والظروف قاسية عليهن جداً، وقلوبهن جائعة وأعتقد أنها لن تشبع ..


لفظتهن أُمهاتهن، وطُردن من بُيوتهن، وحُرمن من السكن والتعليم والحياة السوية، وغداً سيُنظر لهن المُجتمع نظرة دُونية، لأنهن خطيئة الكبار اللذين جهلوا ماذا يعني بِر الأبناء.


للأبناء أيضاً بِر مثل الوالدين، حق عليهم الحياة الكريمة والبيت السوي، حق عليهم الإختيار الجيد للأب والأم، حق عليهم تطبيبَهًم، وتعليمهم، ومنحهم المحبة الكاملة، وحق على المُجتمع أن يخرج له نماذج سوية أخلاقياً ونفسياً، فكفى بالسجون ودور الأحداث والرعاية نُزلاء، وما خفي في البيوت كان أشد إيلامًا ..



بنفسج | أبريل ٢٠٢٢



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو