التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٢٣

تلحُ عليّ الكلمات لأترُكها تستريحُ على الورق، أن تتحرر من قيودي الغير مُبررة، أنام في ساعة مُتأخرة من الليل، بعد عِدة مُحاولات بائسة في أن أستجلب النوم ولكن لا فائدة، جسدي يُؤلمني، رأسي يُؤلمني، وقلبي أيضاً يُؤلمني جداً. 


أضعُ يدي على قلبي، وأطلب منه أن يهدأ، ويستريحُ قليلاً وينام ولو بضع ساعات ..

أتقلب على جانبيّ، وكأني مُمددة على أشواك، أو حصيرةٍ من نار، ليلي طويل، ونهاري شاق، وأنا أُفكر كثيراً، كثيراً جداً ..


تقفز أمامي صُورة صديقتي وهي تبكِ على حبيب رحل عنها دُون أن يُخبرها، وتركها لظنونها تقتلها، تركها لقسوة الأسئلة التي لا إجابة لها.

تسألني هل أنا جميلة؟

لماذا يتركني كل من أُحب؟


صديقتي جميلة لها عينان بلون القهوة وقلبٌ بلون الشجر، عندما تضحك نضحك جميعاً، وعندما تبكِ أبكِ أنا، أنا وحدي.


أخبرتها أنها لا يليقُ بها الحُزن، لا والله، هي في الحُزن أيضاً جميلة، رقيقة، طيبة القلب، تُحب كالأُمهات، تخشى على حبيبها من البرد، ومن أن يعود إلى المنزل في ساعة مُتأخرة، تُعامله كطفل، تُدلله، وتُهدي له الأغنيات، تسكب على قلبه شلالات من السحر، والغريب أنه يرحل، والأغرب أنه يعُود، عودة الإبن، الإبن الذي لا براح له في هذا العالم إلا صدر أمه. 


والأُخرى، والتي أرسلت لحبيبها رسالة <مبروك الزواج> بعد سنوات طويلة من الحُب، أرسلتها له وهي من خلف الشاشة لا ترى ما تكتُب، قلبها ينزف، أطرافها باردة، وعيناها رغم الدموع، مُتحجرة كقلبه.


وإحداهن التي لم أعرفها، والتي أرسلت لي رسالة لتسألني ..

لماذا هذا العالم قبيح لهذه الدرجة؟ 

لماذا يتألم الطيبيون؟

لماذا يترُك الله الأشرار على الأرض؟

ولماذا نتفاجيء دائما بوجهٍ آخر للأشخاص، بعد ما أصبحوا بالنسبة لنا الدنيا وما فيها؟

لماذا نقوم بدفع كل الفواتير من الوقت والعمر، وتتوقف الحياة على القصة القديمة، بينما هم يقفزون قفزةٍ سريعة للحياة الجديدة!


أنظر إلى الرسالة وأقرأها أكثر من مرة ثم أغلق الحاسوب، وأنا أشعُر بالتعب، أترجل إلى المطبخ بخطواتٍ كسولة جداً، أرضية المنزل باردة، رُغم صباحات يوليو الحارة، أصنعُ لنفسي قهوة، وأنا أُفكر، أنتبه من غليان القهوة، أصبُها في الفنجان، وأنا لازالتُ أفكر، لماذا لم نملُك القُدرة في بتر ما يُؤلم من نُحب، أن نستطيع محو ندبتهم وأن نزرع في صدورهم وردة لن تذبل أبداً. 

لماذا؟


٨ يوليو ٢٠١٨ | بورسعيد 




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد