التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أنت ما بين الأمس واليوم

سيأتي عليك وقت تُحب فيه الرُمادية رغم كل شيء، ستعتزل التطرف والألوان والضجيج، ستتوقف عن التعصب لأراءك أو لذوقك أو لفريق الكرة المُفضل لديك، ستتحول وجباتك إلى ثمرات من الفاكهة المُفضلة، ورُبمَّا الغير مُفضلة، ستترك أكل الشيكولا مهما كانت مُغرية، فأصبح المُهم لك الآن أن تلتزم بوجبات أكثر صحية.


أنت لست مريض، ولا بلغت الشيخوخة، ولا تتنافس مع أصدقاءك من أجل خسارة بعض الكيلوغرامات، 

ستصمت وبرضا تام، وستترك الثرثرة، ستسكن العزلة أو رُبمَّا ستسكنك رغم ضجيج العالم من حولك، فلن تسمع منه شيئاً، لن تسمع أبداً إلا تلك المُوسيقى التي تخرج من صدرك، ستتقن حُبك لذاتك، وستحب الآخرون أيضاً، ولكن ترتيب الأولويات أصبح شعار حياتك.

ستعتزل القهوة وستبدلها بمشرُوب أكثر عذوبة، أقترح عليك مشروب اللافندر والكاموميل، فهو يساعد على الإسترخاء الذهني والجسدي، ويترك لك حالة مزاجية رائعة، والأهم أنه لا يضر بصحتك، أعلم أنه لا بأس من فنجان واحد من القهوة في الصباح وأعلم أنه لا صباح إلا بالقهوة، ولكن تغيير العادات من وقت إلى أخر وخاصة لو كانت من سيء إلى أفضل شيئاً رائع ويستحق التجربة.

ستحاول أن لا تسهر حتى ولو بصُحبة كتاب، ستترك كل شيء وترتدي بيجامتك المشمشية وستذهب لفراشك وكأنك على موعد مع من تُحب.

ستنظر لهاتفك النقال من بعيد وهو يُرسل لك بضوءه ليُعلن لك عن مُتصل، ستنظر له ولا تبالي، فأنت الآن تسكُن فُقاعتك الشفافة ترى العالم بوضوح ولا أحد يراك، ولا تُريد لشيء مهما بدى تافهاً أن يُفسد عليك خِلوتك.

سيتحول اتصالك بالطبيعة، لا بالأشخاص، بالأماكن والأشياء، وستجد في صُحبتهم المَّنفعة والراحة والبراح.


وعن تجربة لا شيء يترُك في النفس سلاماً، مثل الإتصال مع الله، ثُم الطبيعة.


وسيأتي عليك وقت، تُراجع فيه نفسك من جديد، لتتحول عباداتك من عادة الى عبادة حقيقية مُخلصة، تتمنى في تلك اللحظة أن تعود للوراء بضع سنين لتُعوض فيه تقصيرك في جنب الله.


سترى كل شيء بجحمة الطبيعي والأشخاص بقدرهم الحقيقي، ستكره الغلو والمُغالاة، ستتقبل الأمور كما هي، سترضى بتغيير الأحوال حتى ولو كانت للأسوأ، فأنت الآن على قناعة تامة أن الأحوال لا تدوم، ومثلما أنت تتنقل وتتحول وتتغير وتتبدل، الأحوال أيضا مِثلك.


ستدُرك ماهية الإبتلاءات، فـ الإبتلاءات ما هي إلا محبة من الله لك، فتقبلها ولا تضجر، فلا مُبتلي إلا من الله مُحب.


ستتغير عاداتك القديمة، وسيموت فيك شيء لا تعلمه، وتؤمن بما كفرت به الأمس، وستكفر بما كان كل إيمانك ويقينك، سترافق الخبثاء، وستتبدل قناعاتك، وربما تخلع رداء التقوى مُجبراً، وستأتي لله عارياً، ثم ينظر الله لما في قلبك وسيعفو عنك، وحده هو من ينظر إلى ما في القلوب، وحده هو من يشق صدورنا كل ليلة دون أن ندري ويغسله بماء الرحمة واليقين فـ نبرأ.


وتعود من جديد، يرزقك الله قلبين على قلبك، وعقلين على عقلك لتحبه هو وحده عن العالمين، تحبه أكثر من حُب، وتسأله أن يُعيد لك نفسك القديمة، فلا يستجيب، فلقد عدّك لما أنت عليه الآن، وأنت لا تدري، فـ أنت الآن نسختك المُفضلة مِنك. 


سألتني: متى يحدث كل هذا؟


هُناك موقف نمر به في الحياة، لا تعود حياتنا بعدها مثل ما كانت من قبل، لمثل هذا الموقف "عِد العُده" ..


بورسعيد | سبتمبر ٢٠١٩ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو