سيأتي عليك وقت تُحب فيه الرُمادية رغم كل شيء، ستعتزل التطرف والألوان والضجيج، ستتوقف عن التعصب لأراءك أو لذوقك أو لفريق الكرة المُفضل لديك، ستتحول وجباتك إلى ثمرات من الفاكهة المُفضلة، ورُبمَّا الغير مُفضلة، ستترك أكل الشيكولا مهما كانت مُغرية، فأصبح المُهم لك الآن أن تلتزم بوجبات أكثر صحية.
أنت لست مريض، ولا بلغت الشيخوخة، ولا تتنافس مع أصدقاءك من أجل خسارة بعض الكيلوغرامات،
ستصمت وبرضا تام، وستترك الثرثرة، ستسكن العزلة أو رُبمَّا ستسكنك رغم ضجيج العالم من حولك، فلن تسمع منه شيئاً، لن تسمع أبداً إلا تلك المُوسيقى التي تخرج من صدرك، ستتقن حُبك لذاتك، وستحب الآخرون أيضاً، ولكن ترتيب الأولويات أصبح شعار حياتك.
ستعتزل القهوة وستبدلها بمشرُوب أكثر عذوبة، أقترح عليك مشروب اللافندر والكاموميل، فهو يساعد على الإسترخاء الذهني والجسدي، ويترك لك حالة مزاجية رائعة، والأهم أنه لا يضر بصحتك، أعلم أنه لا بأس من فنجان واحد من القهوة في الصباح وأعلم أنه لا صباح إلا بالقهوة، ولكن تغيير العادات من وقت إلى أخر وخاصة لو كانت من سيء إلى أفضل شيئاً رائع ويستحق التجربة.
ستحاول أن لا تسهر حتى ولو بصُحبة كتاب، ستترك كل شيء وترتدي بيجامتك المشمشية وستذهب لفراشك وكأنك على موعد مع من تُحب.
ستنظر لهاتفك النقال من بعيد وهو يُرسل لك بضوءه ليُعلن لك عن مُتصل، ستنظر له ولا تبالي، فأنت الآن تسكُن فُقاعتك الشفافة ترى العالم بوضوح ولا أحد يراك، ولا تُريد لشيء مهما بدى تافهاً أن يُفسد عليك خِلوتك.
سيتحول اتصالك بالطبيعة، لا بالأشخاص، بالأماكن والأشياء، وستجد في صُحبتهم المَّنفعة والراحة والبراح.
وعن تجربة لا شيء يترُك في النفس سلاماً، مثل الإتصال مع الله، ثُم الطبيعة.
وسيأتي عليك وقت، تُراجع فيه نفسك من جديد، لتتحول عباداتك من عادة الى عبادة حقيقية مُخلصة، تتمنى في تلك اللحظة أن تعود للوراء بضع سنين لتُعوض فيه تقصيرك في جنب الله.
سترى كل شيء بجحمة الطبيعي والأشخاص بقدرهم الحقيقي، ستكره الغلو والمُغالاة، ستتقبل الأمور كما هي، سترضى بتغيير الأحوال حتى ولو كانت للأسوأ، فأنت الآن على قناعة تامة أن الأحوال لا تدوم، ومثلما أنت تتنقل وتتحول وتتغير وتتبدل، الأحوال أيضا مِثلك.
ستدُرك ماهية الإبتلاءات، فـ الإبتلاءات ما هي إلا محبة من الله لك، فتقبلها ولا تضجر، فلا مُبتلي إلا من الله مُحب.
ستتغير عاداتك القديمة، وسيموت فيك شيء لا تعلمه، وتؤمن بما كفرت به الأمس، وستكفر بما كان كل إيمانك ويقينك، سترافق الخبثاء، وستتبدل قناعاتك، وربما تخلع رداء التقوى مُجبراً، وستأتي لله عارياً، ثم ينظر الله لما في قلبك وسيعفو عنك، وحده هو من ينظر إلى ما في القلوب، وحده هو من يشق صدورنا كل ليلة دون أن ندري ويغسله بماء الرحمة واليقين فـ نبرأ.
وتعود من جديد، يرزقك الله قلبين على قلبك، وعقلين على عقلك لتحبه هو وحده عن العالمين، تحبه أكثر من حُب، وتسأله أن يُعيد لك نفسك القديمة، فلا يستجيب، فلقد عدّك لما أنت عليه الآن، وأنت لا تدري، فـ أنت الآن نسختك المُفضلة مِنك.
سألتني: متى يحدث كل هذا؟
هُناك موقف نمر به في الحياة، لا تعود حياتنا بعدها مثل ما كانت من قبل، لمثل هذا الموقف "عِد العُده" ..
بورسعيد | سبتمبر ٢٠١٩
تعليقات