التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عزيزي ٣

هل أخبرتك بأنني أتغير؟ 

أميل إلى الهدوء أكثر، أفضل الصمت والسكون والجلوس وحدي، أكره الزحام وأكتفي بضجيج قلبي، والفوضى التي لا تهدأ بداخلي.

توقفت عن أكل الحلوى واللحوم، وأصبحت نباتية أكثر، وأصبحت أبك بدون دموع وبدون أن يشعر بي أحد ..

بالأمس .. الأمس البعيد .. كنت لا أبك إلا وأنا أضرب بقدماي الأرض ك الصغار، فلا أنال إلا غضب جسدي مني فيضربني بطريقته، ويظل يؤلمني فترة طويلة ..


تبدلنا المواقف وتجعلنا أشخاصا آخرون، أكثر نضجا، أكثر صلابة، وربما أكثر قسوة، قسوة تنقذنا من الخذلان، الإنسان لن يخذل إلا مرة واحدة، والقلب لن ينكسر إلا مرة واحدة - مرة واحدة وبعدها يصبح واعيا لدرجة الألم ..


أود الحديث معك عن هذه المرة، لألقي عند أعتابك كل الألامي ربما أبدأ من جديد ..


أريد أن أحدثك عن آخر رواية قرأتها وكيف كان البطل عذبا، ونهاية أخر فيلم شاهدته عندما أنتصر الخير على الشر، أود أن أعرف منك هل البقاء للخير فعلا حتى ولو كان ضعيفا؟ 


أشتهي أن أروي لك كيف كانت أخر رحلة سفر وكيف كانت شاقة ولكني كنت حرة، حرة ك العارية، ك حافية القدمين ..


أشتاق للجدال الذي لا ينتهي دون ترقب للوقت، أظل أراقب ملامحك، شرود عيناك، عقدة حاجبيك، ونبرة صوتك، إشارات يديك، ورفع ياقة قميصك عندما تنتهي من الحديث كأنك تعلن انتصاراك علي، وتناولك للسيجار بغضب عندما أغلبك في نهايته ..


أصمت، تظنني أستمع إلى حديثك، وأنا أدقق النظر في كل التفاصيل الصغيرة، لترهقني بعد رحيلك ..

أتناول قهوتي في صمت قبل أن تبرد، وفنجالك أمامك ينتظرك في صبر أن تتناوله قبل أن يبرد ..


تذوب الشموع من حولنا، وتنطفىء الأضواء، تفرغ الطاولات، وتنتهي المعزوفة دون أن نصفق للعازف، ودون أن تراقصني ..


أتحول إلى طفلة ثرثارة وعنيدة أرجوك أن لا نذهب، وأن نطيل البقاء، أود أن أعترف لك عند الشروق، إعترافا لا يليق إلا مع ولادة شمسا جديدة، ونسيت أنك لا تفضل النهار، ويزعجك نور الشمس، وأن كل مواعيدك ليلية ..

كنت مثلك في الماضي، قبل أن يخذلني أحدهم، كنت أظن أن الشمس تكشف جرحي للمارة، فأنتظر الليل بفارغ الصبر حتى أخرج بين الناس ..


لكني الآن لا أتحمل الليل، جسدي ينتظره، وعقلي يهرب منه، أصبحت أنتظر الشمس مع كل صباح جديد، حتى لو كان جسدي مرهقا، وقلبي يتمنى لو أن الحياة ليلاً طويلاً لن ينجلي، لكن صخب الحياة أقل شراسة من صخب روحي، والحديث معك يشبه الحديث إلى ذاتي عندما أكون راضية عنها، والتي في أغلب الوقت آفر منها ..


اختلاف الليل والنهار يجعل السماء ساحرة في ظلامها ونورها، والأرض شاغرة بالحياة في شرقها وغربها، واختلاف طباعي عنك سيجعل حوارنا شهيا ك وجبة حارة بعد صيام طويل، يأخذنا بين مد وجزر لن يهدأ أبدا ولن يفتر، حديثاً سيأتي عليه ألف شمس وألف ليل ولن ينضب فلدي الكثير جداً لأقوله لك ..



بورسعيد | ٢٩ أكتوبر ٢٠١٩ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو