التخطي إلى المحتوى الرئيسي

سطور من دفتري الأخضر

-١-

ثُم سقطثُ، ثُم تهشمَ كياني، ثُم بكيتُ حتى إحترق قلبي، ثُم وقفتُ مُنتصبة الظهر ونظفتُ ما علق بي مِنك، ثم ابتسمتُ ومضيتُ قدماً؛ وكأن شيئاً لمّ يكُن ..

ماذا عنك؟!



-٢-

يغيب، ويترك مساحة من الفراغ تقتلني، يشاغبني عطره، حديثنا في كل التطبيقات، روابط أغنياته المفضلة، وصوته الذي أسمعه بأذن قلبي، ضحكاته المنثورة في صفحات أصدقائه، أرائه الساخرة التي تجعلني في حيرة متسائلة، ما بين هزل يقصده أو جد، شجارنا الذي ينتهي دائمًا بإلقاء اللوم علي، وأنا ك عادتي أطيل الحديث معه بعناد طفلة حتى أبقيه بجواري، ولأخبره كم أحبه، مقابل أن يروي لي قصة حتى أنام.



يخبرني أنه سقطت من ذاكرته كل الحواديت، وأنه لا يملك من الوقت شيئًا للحكي، وأنه أحب كاتبه حتى تروي له كل مساء قصة فلا يشعر بالملل، أجيبه أنني أستطيع أن أنسج خيالا بألوان قوس قزح، لكني أخشى أن تذوب مع أول شعاع شمس .. 


أضع رأسي على وسادتي المحشوه بحلم حزين، كطفل تكور في وضع جنين، ويخشى أن يخرج للنور، حتى لا يبوخه أحد، أغرق في ظلام غرفتي، أنظر إلى صفحته الشخصية، وكأنها قبلة ما قبل النوم، أغلق هاتفي ثم أنام ..

                                - ٣ -

أقسى الفراق؛ الفراق الإضطراري. 

أن يجبرك أحدهم بأن تتركه وترحل عن أرضه؛ فيقص كل أصابعك التي تضمه. 


يلفظك من حياته بقسوه؛ فتسقط في بئر الفراق؛ تاركا لك الغرق والألم والحيرة ..




                      
                                 - ٤ -

أعشق الورق وهو أيضا، كلانا يعلم مدى إحتياج الأخر، أنا أحتاج براحه وصبره، وهو يستقبل فوضى روحي بلا ملل.

                                   - ٥ - 

كلما كبرنا، كلما زاد تعلقنا بالأشياء وزهدنا الأشخاص، تصير اللهفة على الأماكن، البلدان، الطاولات الفارغة من أحاديث التملق، وكلمات الحب المؤقتة، يصبح الملاذ مع كل ما هو جمادا، لكنه يبوح بالجمال والسحر الأبدي ..




                               - ٦ - 

في خيالي؛ أنا لست كاتبة أو رسامة أو أعمل بوزارة لا تليق بي. 


أنا نادلة بمقهى في منطقة بعيدة؛ أصنع قهوة بمقاديري الخاصة؛ وأقدم معها شطائر من قلبي محشوه بالحب ..


                                  - ٧ -

تملك العيون فصاحة البوح أكثر من اللسان، لذا اتبع حدسك، إذا أخبرك خيرا؛ فهو خير ..


وإذا أخبرك شرا؛ فهو كذلك، ولو أغرقك أحدهم من القول أطيبه، فلا يخدعنك الكلام وسجعه، ف للحديث حلاوة تذوب عند أول خلاف، ويبقى في القلب الأثر .. 



                               - ٨ -

كان يملك مهارة اللعب بالبيضة والحجر وآيات القرآن؛ العالم في عيونه ملعب واسع هو سيده؛ والعالمين يتحولون لقطعة شطرنج حقيرة في يده؛ يستطيع أن يرفع من قدر من يحلو له؛ ويهبط من شأن من لا يروق له ..


الخيوط كلها نسجت بيده؛ وانتهت عند قبضتيه؛ لا تأخذه الرآفه ولا الرقه ولا الحنين ولا آنين ضمير؛ هو إن أراد فعل وعلى الجميع السمع والطاعة .. 


ترتوي عيناه كلما رأى دماءا تسري؛ ينتشي قلبه ثم يضحك إن أفزع أحدهم؛ يضرب بلسانه؛ ويقتل بنظراته؛ ثم يلف ضحيته في كفن أسود! 


يمارس لعبة غسيل المخ بمساحيق قذرة؛ ثم يقبض قلب فريسته ويعصره ويلق به تحت أقدام الكلاب بعد أن تأكد أنه لن يصلح لأحد بعده.



                               - ٩ -

كان يلعب بعقلي كالكره، وكنت أصدق، كان يعصر قلبي بيديه، دون النظر لما ينزف من بين أصابعه، كان يقتلني رويدا رويدا، كنت كالسمكة في المقلاه الموضوعه على نار حامية، كلما نضج جنبا، قلبها إلى جنبها الآخر حتى تحترق ..


لا أعرف كيف تحولت إلى فراشة، وكيف دبت الحياة في قلبي من جديد بعد أن أصبح رميما - لا أعرف بالضبط ..


لكن أذكر أنني في ليلة باردة دون أن يشعر بي أحد، سألت الله، كيف يكون قلبي بين أصابعك وتتركه وحده في هذا الظلام، إن كنت تنتظر مني أن أجاهد، فأنا أنتظر منك أن تحررني ..


بعد ليال قصيرة، حملني الله على جناح الرحمة من قاع أحزاني، ورفعني عاليا، وأصبحت فراشة ..





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا .. كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا.  نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات! ثم تجرأت: في حاجة؟  أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟ ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب  ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري  نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت. أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه! سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات .. تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب .. لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث.  سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني.. سددت بدوري

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو