التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ١٨


الفلاش يُؤلمني، يُسبب لي ضعف في الرُؤية لدقائق، أشعُر بذلك الضُوء يُضربْ في عُيوني كالرصاصة، فـ أُغمض عُيوني لأجمع الرُؤية من جديد فتعود بلا ملامح، ولكنني أُحب التصوير وأبتسم للكاميرا كأنني ألتقط صُورة عُرسي حتى لو ظهرت ملامحي مُرهقة وحزينة ..

لا أُحب التصوير بدُون فلاش رغم ما يُسببه لي من ألم، الفلاش يتُرك على الصُورة لمَّعة فتبدو الألوان والأشخاص والإبتسامات غير باهتة حتى لو كانوا أصحاب الصورة غير ذلك.



-٢-

كان دائماً السفر ملاذي عندما أفقد الملاذ والشغف، وتحتل رأسي الأسئلة التي لا إجابة لها، فـ أحمل على ظهري الحقيبة وأُسافر إلى أي مكان، أبحث عن حُلم أو عن إجابة لتلك الأسئلة فـ أعود مُرهقة الرأس والبدن بعد رحلة البحث الثقيلة وتظلُ أسئلتي مُعلقة في ذهني، وتظلُ حقيبتي مُحملة بالأشياء والأفكار والأحلام..

فـ أضع رأسي على وسادتي لأخلُد للنوم فلا أنام، وكم من مرة نام فيها جسَّدي وظلّتْ رُوحي ساهرة.


-٣-

ستظل الكتابة هي رئتي الثالثة التي أتنفسُ بها الهواء والكلمَّات دُون أن يُشاركني بها أحد، ستظل الأوراق البيضاء هي الأوفى على الإطلاق والقلم هو الأصدق.

فعل الكتابة مُؤلم ولكنه يُداوي ما يفعله العابرون أو ما نُحدثه نحنُ بأنفسنا، الطبيب لا يكتشف حقيقة المَّرض إلا إذا ضغط بقسوة على مكان الألم، والكتابة أيضاً تُجبِرُ ما كُسِرَ فيك فقط إذا كتبت بصدق وبقوة.


تعودت أن الأشياء الجميلة التي نُحبها لها وجهٍ آخر، وجهٍ قاسي ومُؤلم نراه ونُلاحظه بدقة، لأن قسوته غالبة على حلاوته ونُعومته، ولأن الجمَّال المُطلق والمُتعة المُطلقة غير جائزة في الحياة، الحياة كالبحر عندما تتلاطم به أمواجه الثائرة الغاضبة والحنونة والهادئة أيضاً، لا تسري الحياة على وتيرة واحدة، ولا يكفي البحر مُوجة واحدة، ولا يكفيك حالٍ واحد ولا تكُنْ الأشياء بوجهٍ واحد أبداً.


بورسعيد | ٢٣ ڤبراير ٢٠١٧ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

الحب ٣

 لم أجد فِعلا رقيقا يليق بالمحبين بعد تبادل كلمات الغزل وأشعار الحب واللوم والإشتياق؛ مثل الخبيز وصنع الحلوى .. حالة عذبة رغم التوتر وربكة التجهيز تشبه خجل اللقاء الأول بين قلبين جمعهما الحب والرغبة؛ وكان الفضول ثالثهما يقلب كل منهما في مزاچ الآخر بمعلقه خشبية على نار هادئة ليكتشف كل حبيب مذاق وذوق محبوبه .. أحدهم يفلح ويصنع شطائر منثورة بالمكسرات محشوه بالعسل؛ والآخر يجتهد ويقدمها خالية من الحشو مغلفة بطبقة ذهبية من لهيب الإنتظار؛ وكلاهما في رواق العشق تحفهم رائحة الإشتياق وآثار الشغب والإكتشاف ..

حديث ذات ٣١

أنا أشبه البحر، يهدأ ويثور وحده، يحمل أسراره في قاعه المظلم، يتمنى الكثير لو كان يجرؤ على الغوص إلى قلبه، ليكشف ما تحت زرقته، لكنهم يخشون من الغرق .. يكتفون بالوقوف بعيداً؛ ليسترقوا النظر إليه، ويحاولون فك طلاسم أمواجه، ودائماً دائماً لن يفلح أحد. يدركون أن قلبه واسع وبلا أرض، يحمل الكثير من الأسرار والعوالم، والأصداف واللؤلؤات الحية، تموت فقط إن أمسك بها أحدهم .. يد البشر تجيد الإفلات بعد انتهاء الشغف بالأشياء وربما الأشخاص .. يدرك البحر أن لؤلؤاته تموت إن تركته وخرجت للنور، ورغم حزنه لن يبخل! البحر يطفئ غضب القلب، لكن لا أحد يعلم ما في قلبه، الجميع يأتيه من كل فچ عميق، ليلق بخيباتهم وانكسارتهم، ويرحلون بهدوء .. ويتركون ضجيجهم في قلب البحر، ويبدأ ضجيج أخر، لكن في قلب البحر المسكين .. يكتفي البحر بأن يمنح العالم مزاجاً رائعاً ولونا بهيجا، ويخرج من خير قلبه لمن حوله، ويعود وحيداً ..  تهدأ أمواجه بالليل، عندما تبتعد الأقدام بعيداً عنه، وترسل النجوم قبلاتها الناعمة له، فيسكن، ويخلع عنه رداؤه الأزرق، ويبدله بأسود حزين، يليق بقلب لن يفهمه أحد على سطح الأرض .. بورسعيد | سبتمبر ٢٠٢١