التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بنفسج ٢

في واحدة من المواقف التي لن أنساها أبدا ..

كنت في إحدى الشركات أسدد فاتورة تليفوني وكانت بجواري سيدة منتقبة؛ تنظر لي بدقة وتطيل إلي النظر، شعرت بالحرج، وشعرت أن بي شيئا ليس مريحا أو صحيحا. 


نظرت لنفسي جيدا، أنا محتشمة، وملابسي فضفاضة، أسأل نفسي بغيظ لماذا تنظر لي هذه النظرات!


ثم تجرأت: في حاجة؟ 

أبدا يا حبيبتي: انتي مصرية؟


ابتسمت لها وهززت رأسي بالإيجاب 

ثم جلست لأنتظر دوري فجلست جواري 

نظرت لها دون أن تشعر وجدت حجابها باليا عبائتها ممزقة، حذائها ممزق، ثم تمزق قلبي لما رأيت.


أنا عندي 55 سنة وعندي ولد واحد بس مطلع عيني انا أرملة ونفسي اتجوز تاني بس هو مش راضي، جالي ناس كتير مناسبين وكنت برفض علشانه، لبست النقاب دا غصب عني أنا جميلة جدا ع فكرة، بس أبوه كان بيغير عليا وهو كمان اتعلم منه الطبع دا، والله يا بنتي أنا في عذاب ومعرفش أنا بحكي لك ليه!


سردت حكاية كاملة من العذاب والتملك والسيطرة ونكران الذات ..

تبدو فعلا جميلة، وبسيطة، وطيبة القلب ..

لكن ما لفت نظري وشغف قلبي طفولتها المكبلة التي شعرت بها دون أن تتحدث. 


سددت فاتورتها ثم انتظرت قليلا بالخارج كنت لا أعلم أنها تنتظرني..


سددت بدوري فاتورتي وخرجت: أنا اسمي نهال ومش عاوزة أعرف اسمك وبشتغل في ( .. ) لو احتاجتيني أنا تحت أمرك روحي هناك أي حد هيوصلك ليا.


أخبرتني أنها صائمة وأنها ستدعو الله لي براحة القلب كنت لا أعلم إن انهزام القلب تكشفه الملامح ولو كنت صامته ..


دعوتها على الإفطار في مطعم مفضل لي، وبالفعل توجهنا إلى هناك كانت تكمل قصتها وتبك، لماذا لا يشعر بي ابني، لماذا يجب علي التضحية طوال عمري ..

نصحتها أن تفعل ما تؤمن به ما دام ليس حراما أو عيبا، تركت لها الطاولة وأنا حزينة أحمل همها بين طبقات جلدي إلى الآن ..


القصة منذ سنوات لكنها عالقة بعقلي وقلبي إلى الآن ..

ضعفها وانكسارها يؤلمني كلما تذكرتها، تذكرت تلك الخنقة التي في صوتها، النقاب البالي التي وافقت على ارتداؤه طوال العمر لمجرد أن زوجها يغار عليها وابنها بالتالي. 


الدمعة الحائرة التي تسكن عيونها فتبتلعها كلما تذكرت خيبتها، الرعشة التي بيديها والتي تعلن عن انهزام امرأة أمام عاهات يصنعها الإنسان ..


بنفسج | مايو ٢٠٢٢ 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد 

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو