التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أحاديثهن


في لقاءا كان غير مرتبا؛ تقابلت مع رفيقاتي احداهن في منتصف العشرينات؛ والأخرى على مشارف الخمسون؛ وأنا الثالثة أخطو للأربعون بهدوء ..


آعده لقاءا غير عاديا؛ فكان بعد غيابا طويلا؛ وإنشغالا كاد أن يخنقنا ويميت صداقتنا الفريدة؛ منذ فترة لم نلتق إلا في جروب الواتساب نقذف الكلمات الحلوة سريعا؛ والوجوه المبتسمة والقلوب الحمراء ثم تأخذنا الحياة إلى شوط جديد ..


جلسن بعد أن أعددن أطباق المخبوزات وفناجيل الشاي؛ والسعادة تتاقفز في عيوننا؛ وأنا في صمت؛ رأسي تتقافز فيه الأسئلة وعلامات الإستفهام التي أود أن أجد إجابة لها ..


يعرفن عني أن وراء صمتي سيل من الحكايات والأسئلة؛ أنا فقط أعدها في رأسي وأتركها لتختمر ..


أتركهن لحظات حتى أعود ..


فأجد الخمسينية تحدث العشرينية ببعض كلمات ..


أنت في أجمل سنوات العمر؛ فأنت شابة يستطيع قلبك أن يحب من جديد؛ ورحمك يحمل كل عاما طفلا جديدا؛ لن تشتكين الآلام سن اليأس؛ ولا الإنهزام النفسي؛ ولا علامات تمدد السنين على جسدك وملامحك؛ ولازال أمامك متسعا من العمر لتركضين خلف أحلامك دون تعب؛ ثم صمتت وكان خير ما فعلت!


ورفعت فنجال الشاي إلى فمها ..


تجيبها العشرينية بآسى ..

أنا لن أستطيع أن أقع في الحب من جديد؛ وأن أمنح وأصبر وأثق من جديد ..


حبي مثل طلقة الرصاص؛ يحدث مرة واحدة في العمر ..


ثم قالت: أنا لا أشتكي سن اليأس؛ لكنني شعرت به على مدار شهورا طويلة؛ وأرقدني وشل حركة حياتي فترة؛ أرفض أن يشغل رحمي ماء رجل غريب لمجرد أن أصبح أما؛ كنت أتمنى أن أصبح أما لأولاد من أحبه فقط ..


وأنا صامتة يدور رأسي بينهن بتركيز؛ أستمع جيدا وأعلق في صمت وأنتظر دوري .. 


نظرن لي في لحظة صمت؛ ثم كسرت صمتهن الذي كان مغلف بالإرتيارب مني ولا أعلم ما السبب ..


ثم قلت وأنا أقطع قطعة من الكيك بالسكين دون النظر لهن ..


(العشرينات فترة الفضول والزهو والإنطلاق والإقبال؛ يبدأ فيها كل شيء بفوران ومغالاه وتنتهي بنفس المغالاه والفوران؛ فتخرجي منها منهكة القلب وهزيلة الروح؛ وكأنك كنت في حرب دامية؛ دون سلاح؛ لن أعدك بأن تخرجي منتصرة ومجبورة القلب؛ لكن أعدك بولادة شخص جديد داخلك).


الحب في هذه الفترة لا ينسى؛ يظل عالقا في القلب وموشوما في الذاكرة حتى بعد أن يغلبك الرضا على النهاية الحزينة؛ يظل حديثك عن حبك الأول أقرب حديث إلى قلبك؛ يأخذك الحديث عنه مرة بشجن؛ ومرة بأسف؛ ومرة بسعادة ومرات بإشتياق؛ وكأنك لا تملكين من الحياة إرثا إلا تلك القصة القديمة ..


ثم أعود برأسي للخمسينية وأقول:-


نعم العشرينات أجمل سنوات العمر؛ والخمسينات أيضا؛ تملك من الخبرة والذكاء الإنساني ما لا تملكه وتدركه العشرينية؛ تستطيع أن تكون أما لصديقاتها الصغار؛ ومستشارة عاطفية ومدبرة مالية ومنزلية وأمور أخرى؛ تستطيع أن تنقذ رفيقاتها من وهم سن اليأس بدلا من أن تلبسه في عقلها وتجهزها له من الآن "قلتها وأنا غاضبة" ..


ثم صمت وعدت بظهري للوراء ونظرت للسقف وأكملت حديثي؛ الخمسينية لديها رصيد من كل شيء في الحياة؛ أظنها أكثر أوفر النساء حظا ثم ابتسمت لها ..


لو كنت خمسينية مثلك؛ لن أبخل لحظة بأن أهدي لكن محبتي مغلفة بنصيحة طيبة لأنقذكن من خيبات الحياة ..


لكني أودع الثلاثون ثم سكت قليلا؛ ووضعت ساق على ساق؛ أنا كجسد متعب مد زراعيه يمينا ويسارا؛ يظن أنه بتلك الحركة سيأخذ من الطريق ما تشتهي نفسه بوسع ذراعيه؛ لكن آتت ذراعيه صفرا؛ وعاد بهما إلى صدره محاولا ضم نفسه مواسيا لها بعد عناء الرحلة ..


وهذا ما تعلمته من العشرينات؛ هو أن أضم نفسي؛ وأمنح ذاتي كل ما أشتهي؛ وأن لا أبخل عليها بالمحبة؛ وأعدها للعمر الآتي؛ لعل هناك من ينتظرني ليسلب مني لا ليعطيني! 


فأقبل على ثلاثيناتي وأنا يملؤني الحب لنفسي أولا؛ ثم الآخرون ..


ثم غرقت في صمتي؛ وغرزت الشوكة في قطعة الكيك لأرفعها إلى فمي الجائع .. 


وبعد دقيقة كسرت الصمت وقلت ..

العشرون والثلاثون والخمسون ما هي إلا أرقاما يا حبيباتي؛ تكتسبين مع كل فترة شيئا وتدفعين مقابله أشياءا؛ هكذا الحياة دائما ..


أشياءا مقابل أشياءا

أشخاصا مقابل أشخاصا 

أنت القديمة مقابل أنت الجديدة 


نعيش في الحياة متحركين طوال الوقت؛ غير ثابتين كالتماثيل؛ يتحرك كل شيء حولنا ونحن معه ندور ونتحرك؛ والعمر أيضا يتحرك ويتقدم؛ لا شيء مؤسف في هذا الأمر؛ إنها طبيعة الأمور ..


نظرت لصغيرتنا وقلت: خذي من عشريناتك دلالها ومن ثلاثيناتك جمالها؛ واستعدي لباقي العمر لتعيشيه بحكمه وإيثار ..


ولا تأسفي على حب قد إنتهى؛ فهناك من آتى الحياة ورحل ولن يعي جمال ما مررت به رغم الألم؛ إمتني للحياة التي منحتك الفرصة بأن تكوني بطلة إحدى قصص الحب ولو كانت حزينة ..


بورسعيد | ١٤ يوليو ٢٠٢٠ م 

تعليقات

‏قال Bent Men ElZman Da !!
نظرتنا للحب والحياة بشكل عام بتختلف في كل وقت من عمرنا، لكل فترة ومرحلة عمرية افكارها وزهوتها، المهم إننا نحس بحلاوة الحب والأوقات اللي بنمر بيها فعلًا.
تسلم إيدك يا نون

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو