التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٤٤

للجسد ذاكرة ذات كبرياء؛ لا تستدعي الذكرى الأليمة؛ هي تنتظر حدوث الحدث ليخبرك بطريقته القاسية؛ أن ثمة مشاهد متكررة؛ مشاهد وربما مشاعر!


منذ عشرون عاماً تركني الفتى الذي كنت أحب لأن أباه وأبي لم يتفقا ولأسباب أخرى معقدة انفسخت الخطبة؛ ومن حينها وأنا أمارس الفقد والفراق وتارخ الأيدي!


كان غضبي مكتوما وسؤالي الحزين يأبى الخروج للكبار!


ابتلعت غضبي؛ وأخذت أسئلتي الساذجة تحت جلدي ومشيت - مشيت مشوارا طويلاً كنت أبحث في الشارع عن إجابة؛ أو ربما عن فتاي الذي كان يحب السهر حتى الصباح؛ وربما كنت أحاول الهروب!


أظنني كنت أحاول الهروب من البكاء ومن السؤال ونصائح أبي التي كانت في تلك الليلة سبباً في صداع مزمن لقلبي دام لأكثر من عشرون عاماً!


مشيت حتى وصلت لبيت جدي؛ ولكنني لم أصل لشيء لا لفتاي؛ ولا لإجابة سؤالي؛ ولا حتى استطعت الهروب!


ثم توقفت عن السير عندما تعب قدمي؛ ولم يعد لي القدرة أن أسير لكنني أريد أن أمشي بلا توقف؛ لقد كانت رغبة قلبي اللاهث؛ لم تكن رغبة قدمي الذي بالفعل قد وصل لنهاية الرحلة؛ لكن شغف قلبي الذي لم يذبل حينها هو الذي دفعني بأن أسير على الإسفلت وكأنني عصفورة بين السحب؛ عصفورة لكن بقلب كسير!


بالأمس قدمي كانت تؤلمني بقسوة؛ وكأنني انتهيت للتو من مشوارا عمره عشرون عاماً؛ بالأمس جسدي تذكر معركته الأولى؛ سعادته الأولى؛ عناده الأول؛ وشغفه الأول؛ رغم الذبول! 


ثم بكى وبكيت معه حتى الشروق ..


بورسعيد 

١٠ فبراير ٢٠٢٤



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد