السبت، 10 فبراير 2024

حديث ذات ٤٤

 للجسد ذاكرة ذات كبرياء؛ لا تستدعي الذكرى الأليمة؛ هي تنتظر حدوث الحدث ليخبرك بطريقته القاسية؛ أن ثمة مشاهد متكررة؛ مشاهد وربما مشاعر!


منذ عشرون عاماً تركني الفتى الذي كنت أحب لأن أباه وأبي لم يتفقا ولأسباب أخرى معقدة انفسخت الخطبة؛ ومن حينها وأنا أمارس الفقد والفراق وتارخ الأيدي!


كان غضبي مكتوما وسؤالي الحزين يأبى الخروج للكبار!


ابتلعت غضبي؛ وأخذت أسئلتي الساذجة تحت جلدي ومشيت - مشيت مشوارا طويلاً كنت أبحث في الشارع عن إجابة؛ أو ربما عن فتاي الذي كان يحب السهر حتى الصباح؛ وربما كنت أحاول الهروب!


أظنني كنت أحاول الهروب من البكاء ومن السؤال ونصائح أبي التي كانت في تلك الليلة سبباً في صداع مزمن لقلبي دام لأكثر من عشرون عاماً!


مشيت حتى وصلت لبيت جدي؛ ولكنني لم أصل لشيء لا لفتاي؛ ولا لإجابة سؤالي؛ ولا حتى استطعت الهروب!


ثم توقفت عن السير عندما تعب قدمي؛ ولم يعد لي القدرة أن أسير لكنني أريد أن أمشي بلا توقف؛ لقد كانت رغبة قلبي اللاهث؛ لم تكن رغبة قدمي الذي بالفعل قد وصل لنهاية الرحلة؛ لكن شغف قلبي الذي لم يذبل حينها هو الذي دفعني بأن أسير على الإسفلت وكأنني عصفورة بين السحب؛ عصفورة لكن بقلب كسير!


بالأمس قدمي كانت تؤلمني بقسوة؛ وكأنني انتهيت للتو من مشوارا عمره عشرون عاماً؛ بالأمس جسدي تذكر معركته الأولى؛ سعادته الأولى؛ عناده الأول؛ وشغفه الأول؛ رغم الذبول! 


ثم بكى وبكيت معه حتى الشروق ..


بورسعيد 

١٠ فبراير ٢٠٢٤



ليست هناك تعليقات:

حديث ذات ٤٤

في كل بيت؛ ركن مهجور حزين ومظلم؛ أسدلت الستائر عليه منذ زمن؛ فتكومت الذكرى فيه وصدى الضحكات والهمهمات؛ ونسجت خيوط العناكيب؛ وتحول لغار .. غا...