التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ٣٩

 أنا حامل.

رسالة كتبتها لي صديقتي؛ تحمل بين حروفها صبر سنوات طويلة، تنتظر شهراً بعد شهر، عاماً بعد عام، على مدار عشر أعوام وربما أكثر، ونحن ننتظر، ونتمنى ونحلم، ونصبر وندعو الله أن ينبض رحمها بالحياة؛ ويحقق لها ما تتمنى ..




كنت أتمناه بنتا لأهديها الفساتين والفيونكات وأعلمها الرقص والرسم والعزف على البيانو؛ ثم نتعلم معا كيف نختار طلاء الأظافر المناسب وألوان الروچ؛ ولأمنحها كل الحب والدلال؛ البنات تخطف قلبي؛ وترققه وتترك فيه عذاب وقلق عليهن من الأيام ..




لكن جاء يحيى ليخلصنا من كل هذا التوتر؛ ليبدأ توتراً من نوع آخر؛ توترا بمزاچ الصبيان؛ مرت شهوراً بعد حضور يحيى للحياة؛ وأنا تاركة الشيماء تستمتع بممارسة الأمومة التي طال إنتظارها ..




فتهاتفني "الولد قرب يكمل سنة وانتي ماتعرفيش ملامحه" .




ثم تحمله وتأتيتني به؛ وتتركه على ذراعي؛ أقول لنفسي سرا ..




"مابعرفش أتعامل مع صبيان ياربي"




بكفه النونو ضم أُصْبُعي ومضغه؛ فدغدغ قلبي دغدغة حنونة أحببته؛ وأحببت كل صبيان العالم من أجله ..




تأسرني لغة الأطفال بنين وبنات وتبهج قلبي؛ أتسأل ما الذي يود أن يخبرني به عند ضم أصابعي؛ هل يوصيني بأمه خيراً؛ أم مجرد مصافحة بريئة لعقد صداقة جديدة!  


على كل حال لقد أصبح يحيى يصافحني سلام (رچالة) كفا بكف.

٥ يناير ٢٠٢٠ | بورسعيد 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو