أستيقظ من نومي وفي رأسي لازالت تدور الأفكار؛ فهي منذ ساعات الليل لم تتوقف، أكتشف فكرة، أن نوم الجسد لا يعني بالتأكيد نوم الروح والقلب، ترهق الروح، ويظل القلب حائرا، بينما الجسد يتقلب في دفء سرير يحمل فردا واحدا، والكثير والكثير من الأفكار، أفتح نافذة حجرتي على مصرعيها، وأملأ صدري بالهواء وأنا مغمضة العينين، منذ أن انتقلت إلى منزلي الجديد، وأنا أفعلها، وكأني أغسل وجهي وروحي بالهواء قبل أن أتوجه إلى الحمام.
أسمع من بعيد صوت قطار يعلن وصوله إلى رصيف الإنتظار، أتخيل لو كنت أحد ركابه، وأنني عدت للتو من رحلتي الشاقة، وأن أحدهم ينتظرني بلا صبر، تتلاقى أرواحنا قبل أجسادنا وتلامس روحي نظراته الحانية، وأنا أطل برأسي من نافذة القطار الذي هلكه الصبر والسفر الطويل، يضمني لصدره ثم يدعوني لفنجان قهوة وقطعة جاتوه، والكثير من المفاجأت.
أسمع من حولي زقزقات العصافير، تطير هنا وهناك في شكل أسراب دون أن تبتعد عن صاحبها الذي يلوح لها يمينا ويسارا، أظل أراقبها دون ملل وأنتظر عودتهم لمسكنهم الخشبي، أتذكر سرب الحمام الذي كنت أراقبه وأنا صغيرة من نافذة جدتي، أستند برأسي على زراعي وأنا ناظرة للسماء، وأتخيل أنني أصبحت عصفورة بلا جناح مكسور، تطير لأعلى وترى كل شيء على الأرض بحجمه الطبيعي.
تطل سيدة بسيطة من نافذتها، تلف حول رأسها شالا أبيضا، تنادي على بائع الخضار، وتطلب منه أن يضع كذا وكذا في سبتها المصنوع من الخوص؛ والذي يتدلى من النافذة بدلال الصباح، ثم تلقي عليه دعاءا طيبا وابتسامة، وتغلق النافذة.
أنظر لشجر المانجو الذي يسكن تحت نظري، أوراقه ذابلة، لكن رائحته تملأ المكان، أدرك أن أوانه قد اقترب ليزهو من جديد، ويثمر فاكهته وعطره بشكل أفضل، يحتاج الوقت والصبر، ك كثير من الأمور.
يفتح أحدهم قناة القرآن الكريم، أسمع صوت مقريء لا أعرف اسمه يقول "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا".
أرفع رأسي للسماء ثانية، وأبتسم لها وآمتن ..
بورسعيد | ١٩ ديسمپر ٢٠١٩ م.
تعليقات