التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أوراق الصباح ١



أستيقظ من نومي وفي رأسي لازالت تدور الأفكار؛ فهي منذ ساعات الليل لم تتوقف، أكتشف فكرة، أن نوم الجسد لا يعني بالتأكيد نوم الروح والقلب، ترهق الروح، ويظل القلب حائرا، بينما الجسد يتقلب في دفء سرير يحمل فردا واحدا، والكثير والكثير من الأفكار، أفتح نافذة حجرتي على مصرعيها، وأملأ صدري بالهواء وأنا مغمضة العينين، منذ أن انتقلت إلى منزلي الجديد، وأنا أفعلها، وكأني أغسل وجهي وروحي بالهواء قبل أن أتوجه إلى الحمام.


أسمع من بعيد صوت قطار يعلن وصوله إلى رصيف الإنتظار، أتخيل لو كنت أحد ركابه، وأنني عدت للتو من رحلتي الشاقة، وأن أحدهم ينتظرني بلا صبر، تتلاقى أرواحنا قبل أجسادنا وتلامس روحي نظراته الحانية، وأنا أطل برأسي من نافذة القطار الذي هلكه الصبر والسفر الطويل، يضمني لصدره ثم يدعوني لفنجان قهوة وقطعة جاتوه، والكثير من المفاجأت.


أسمع من حولي زقزقات العصافير، تطير هنا وهناك في شكل أسراب دون أن تبتعد عن صاحبها الذي يلوح لها يمينا ويسارا، أظل أراقبها دون ملل وأنتظر عودتهم لمسكنهم الخشبي، أتذكر سرب الحمام الذي كنت أراقبه وأنا صغيرة من نافذة جدتي، أستند برأسي على زراعي وأنا ناظرة للسماء، وأتخيل أنني أصبحت عصفورة بلا جناح مكسور، تطير لأعلى وترى كل شيء على الأرض بحجمه الطبيعي.


تطل سيدة بسيطة من نافذتها، تلف حول رأسها شالا أبيضا، تنادي على بائع الخضار، وتطلب منه أن يضع كذا وكذا في سبتها المصنوع من الخوص؛ والذي يتدلى من النافذة بدلال الصباح، ثم تلقي عليه دعاءا طيبا وابتسامة، وتغلق النافذة.  


أنظر لشجر المانجو الذي يسكن تحت نظري، أوراقه ذابلة، لكن رائحته تملأ المكان، أدرك أن أوانه قد اقترب ليزهو من جديد، ويثمر فاكهته وعطره بشكل أفضل، يحتاج الوقت والصبر، ك كثير من الأمور. 


يفتح أحدهم قناة القرآن الكريم، أسمع صوت مقريء لا أعرف اسمه يقول "إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا". 


أرفع رأسي للسماء ثانية، وأبتسم لها وآمتن ..


بورسعيد | ١٩ ديسمپر ٢٠١٩ م.





تعليقات

‏قال Bent Men ElZman Da !!
وصفك عمل حالة من الهدوء جميلة حبيتها
‏قال وعيّ
صباح دافئ

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد