التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بريد نون ٢







منذ فترة لم أتصفح بريدي الالكتروني؛ اليوم فعلت ..


لأجد عدد من الرسائل "مجهولة المصدر" إتسعت عيوني من كم الرسائل التي كادت أن تنفجر في وجهي ثم قررت فتح أول رسالة ..


كانت من رجل حروفه باكية 

كتب لي عن محبوبة قلبه وزوجته أقصد كانت زوجته تم الإنفصال بعد زواج دام سنوات توجت بطفلة، تعد الآن من الأيتام بل هي أشد يتما ..


يسرد سطورا مختصرة عن حياة تبدو سعيدة وهانئة لم ينقصهم شيء ڤيلا في موقع راق بإحدى المدن الجديدة؛ طفلة جميلة الملامح؛ أصدقاء وصديقات من صفوة المجتمع؛ وزوج من حسب ونسب؛ حتى لو كانت الزوجة أقل شأنا!


يقول ..

كل شيء كان يمنعني أن أرتبط بها؛ لكني فعلت؛ لم أستطع أن أقتل حبي لها أو أن أتجاهل نداء قلبي كلما رأيتها .. 


نصحني الأصدقاء أن لا أقترب أو حتى أفكر بها سرا فأنا من عائلة عريقة ومن أصل طيب ولي مستقبل مضمون أما هي فكانت من أسرة محدودة تعمل أمها عاملة نظافة في أحد المولات؛ وطردت أكثر من محل عمل بتهمة السرقة؛ وتوفى والدها في أحد مصحات الإدمان؛ وهي الإبنة الوحيدة بعد أن توفت شقيقتها الكبرى لأسباب غير معروفة؛ ويذاع بين الناس أنها منتحرة ..


أخذت الشفقة تلاعبني؛ حتى تحولت إلى عاطفة قوية ثم عشقا وجنونا؛ ألقيت بكل إعتبارات المجتمع المعتوه بعرض الحائط؛ وفضلت أن أكون شريفا في حبي وشهما ونبيلا؛ عن أن أظلمها أنا الآخر؛ وأسلب منها حق الحياة والبدء من جديد؛ والتحرر من آثام ليست لها ذنب فيها ..


كانت رقيقة ملامحها ناعمة وحيدة دائما، عيونها حزينة؛ كانت هالة الحزن التي تحيطها تسكب عليها شلالات من الجاذنبية والسحر؛ ولم أفلح يوما في معرفة السر ..


كانت قليلة الحديث؛ لكن حديث الناس عليها كان لا ينقطع؛ يدوي في كل مكان ويتردد على كل لسان ..


لن أنسى أحدهم عندما أخبرني بأنها متعددة العلاقات؛ وأنها تتاجر بجسدها؛ بل أنها ليست عذراء!


وآخر يقول؛ كانت تعمل بائعة في أحد محلات الملابس قبل أن تشن بينها وبين صاحب المحال مشاجرة بتهمة التحرش بها وانتهت بتحرير بمحضر ..


بعد كل ما عرفت ..

يسألني الشرقي الذي ولد معي؛ وتربى معي؛ ويسكن داخلي بتوبيخ؛ ماذا بعد ياعاشق؟ 


أخرسه بتجاهلي له؛ وتحرري من رجعية مجتمع لا يملك الرحمة؛ هكذا كنت أزعم ..


أذكر نفسي؛ أنا دائما حرا؛ طليقا؛ لم أسافر لأوروبا بجسدي وحسب!


كنت أسافر بعقلي أيضا ووجداني؛ تعلمت الكثير من السفر؛ واكتسبت خبرات وثقافات وصداقات؛ شكلتني من جديد؛ ثم تحولت النعمة ل لعنة وجعلتني أتملص طوال الوقت من أصلي!


تم الزواج خلال ثلاث شهور ..

ثلاث شهور خسرت فيها كل شيء بكامل إرادتي ورضاي؛ لأرتبط بها ..


كنا أسعد زوجين؛ وعندما تأكدت من عذريتها؛ تأكدت أنها مظلومة؛ أحببتها أكثر؛ لم تسكن السعادة في قلبي إلا معها؛ لم أشعر بنفسي وأنا أتحول لأب؛ يخشى على ابنته المدللة من وخز ابرة؛ لم أذكر يوما عن نفسي أن أحزنتها ولو دقيقة ..


الآن؛ أتذكر مشاهد حياتي معها وأضحك على نفسي!


هاتفني أحد أصدقائي القدامى؛ يدعوني وزوجتي على العشاء في النادي؛ سعدت لأن هناك من الأصدقاء من يبقى على وصالي؛ بعد أن ابتعد عني أغلبهم وكأني مصابا بوباء!


أخبرتها بأن تستعد في المساء؛ لسهرة ربما تمتد للصباح؛ وأخذت أحدثها عن صديق العمر؛ الذي تربطني به علاقة غير قابلة للإنفكاك؛ رغم فروق الشخصية التي بيننا؛ فأنا كنت في نظرهم "فافي" بينما هو كان "الجدع" ..


سنا أنا أكبره بعامين؛ لكن هو يكبرني بعقله عشرات الأعوام ..


ثم جاء المساء؛ جلسنا على طاولة رباعية؛ أجلس وحبيبة القلب بجواري؛ ويجلس قبالتي صديقي وزوجته؛ حتى رغبنا بالحديث الجانبي أنا وصديقي؛ أخذنا نترجل حتى أطراف النادي؛ ونضحك كما لم نضحك من قبل؛ ثم عدنا ..


لم نشعر بالوقت؛ لم نشعر بثقل أو تعب؛ كنت مشتاقا للقاءا حميميا بأحد من أصدقائي يشعرني بأنني لازالت في قائمة المقربين؛ لكن الجميع قد تنصل مني؛ إلا صديق العمر ..


عدنا لبيتنا وأنا سعيد؛ سعيد جدا؛ وأرى السعادة تتقافز في عيون حبيبتي وهذا كل مبتغاي؛ كانت ليلة دافئة؛ انتهت بنوم ملاكي على صدري وهي مبتسمة ..


تمر الأيام وبدأت علامات الحمل؛ حتى تأكدنا بإستشارة طبية سريعة؛ وبدأت سعادة جديدة تعرف طريقها لقلبي؛ لكن هي كانت تتعامل مع الأمر بفتور يحبطني قليلا؛ أذكر نفسي ربما الآثار النفسية للحمل؛ أو خوفا من المسئولية؛ فأصبر ..


لكن فتورها يزيد مع الوقت؛ ومع كل موقف؛ برودها أثلجني؛ ردود أفعالها تثير غضبي ولكني أبتلعه؛ أريد أن يأتي طفلي أو طفلتي بسلام؛ وأن تمر الفترة أيضا بهدوء ..


أصبحت لا تطيق جلوسي معها؛ ولا حتى صوتي؛ كلما اقتربت بعدت؛ أراقبها عن بعد؛ أجدها هادئة تماما؛ فأقترب منها شوقا فتبتعد ..


أصبحت غريبة عني؛ بعيدة تماما؛ تشيح بعيونها بعيدا عني؛ بكلمات قليلة تسألني وبكلمات أقل تجيبني إذا سألت؛ تحول بيتي إلى قالب ثلج غير قابل للذوبان مهما حاولت ..


مرت شهور الحمل ووضعت طفلتنا الجميلة؛ بكيت من سعادتي؛ لقد أصبحت أبا لطفلة غدا ستكبر وستصبح أجمل بنات العالم ..


فوجئت بزوجتي تطلب مني الحديث في أمر هام؛ تأكدت من تفسير الأمس لسلوكها معي؛ بأنها فترة الحمل التي تلاعب مزاج الحامل وتجعلها ترضى وتغضب في وقت واحد؛ والآن زوجتي بدأت تعود من جديد دافئة ولطيفة؛ وددت أن أضمها لصدري وأبك؛ لكن سمعت ما لم أتوقع!


أنا عايزة أتطلق 

صعقت؛ تمالكت نفسي تماما حتى لا أسقط أرضا ..

قلت: ليه!

أجابتني: أنا مش سعيدة 

رددت: أنا قصرت في حاجة؟ 

أجابت: لو تقصد حياتنا كبيت ومستوى لا حياتنا تقريبا نموذجية لكن أنا مش سعيدة معاك. 


طلبت منها أن تسكت كلماتها شقت قلبي؛ لا أستطيع أن أستمع؛ ولا أملك الرد؛ والآن أنا أنزف ..


تمر الأيام 

وأنا في حجرة أخرى؛ بيني وبينها حائط؛ أنام وحدي باكيا؛ أفكر في طفلتي؛ وفي حياتي؛ وفي الحب الساكن في قلبي؛ لا أطيق أن أهدم كل ما بنيت؛ كل يوم تزداد سوءا وعندا؛ ووصل الأمر منها للتجاهل التام ..


الساعة الرابعة صباحا؛ أسمع صوت ضحكاتها عاليا؛ يأتيني من غرفة النوم؛ وأنا في الغرفة المجاورة وحدي؛ أزداد حزنا وكرها لنفسي؛ فأبك ..


أتعجب من قسوتها التي حلت عليها مرة واحدة وكأنها انسانة أخرى ..


أسأل نفسي: تضحك من قلبها مع من؟!


هل فعلا ستتركني حزينا ووحيدا؛ هل تريد أن تهدم بيتها؛ وتقضي على مستقبل ابنتنا!


ربما أفرطت في حبي وتدليلي لها؛ ربما أنا السبب؛ لكن الأكيد أن ليس جزاء الإحسان إلا الإحسان ..


يتصل بي صديق قديم؛ منذ عام وأنا لا أعرف عنه شيئا؛ يطلب مني أن يقابلني؛ أخبرته بأني لست على ما يرام ولا أود مقابلة أحد ..


ألح علي بالمقابلة وأخبرني إن لم تأت سأتيك في قلب بيتك؛ هناك أمر هاما لابد وأن أخبرك به ..


استفز فضولي وأثار قلقي؛ فوافقت ..


ذهبت في الموعد المحدد؛ لأجده في انتظاري؛ لم يقابلني بلهفة صديق غائب عن عيني منذ عام؛ كانت عيونه حزينة ولا ينظر لي؛ صافحني وأفسح لي الكرسي وأجلسني ..


وصمتنا دقيقة 

ثم كسرت صمته؛ في ايه!


أجابني 

انت شوفت ( .... ) امتى آخر مرة؟ 


من حوالي 10 شهور تقريبا ليه؟ 

كانت المدام معاك؟ 

اه يا سيدي المدام كانت معايا اخلص في ايه؟ 


طيب بص دا كدا 

يعطيني هاتفه ثم يشيح بنظره لبعيد ..


أمسك الهاتف لأجد حديث ملتهب بين زوجتي وصديق العمر؛ أسحب الشاشة لأسفل وأقرأ وأقرأ وأقرأ؛ ثم تحجر ريقي ..


تركت الهاتف على الطاولة وانصرفت دون كلمة واحدة ..


احترقت كل خلايا عقلي وقتها؛ ولن أستطع التفكير ورغم الشتات؛ شيئا في نفسي منعني من قيادة السيارة؛ تركتها خلفي ثم ركبت تاكس وتوجهت لبيتي ..


دخلت البيت؛ أجدها في قبالتي حاملة طفلتنا تداعبها؛ ثم توقفت حركتها عندما وجدتني؛ نظرت في عيونها وأخذت أقترب وأقترب؛ كنت أراها بعيون جديدة ..


أخذت ابنتي بين ذراعي وتركت على جبينها قبلة اعتذار عن سوء اختياري لأمها.


ثم قلت بهدوء 

عايزة تطلقي امتى 

لم تجيبني؛ نظرت لي عاقدة حاجبيها؛ كانت نظرة طويلة باردة خالية من أي مشاعر إلا الدهشة؛ قرأت ما بداخلها؛ وفهمت ما يجول بخاطرها؛ وكلانا أدرك أن حبي لها أخذ يخفق؛ وبدأت أتحرر ..


جاء موعد رضاعة "أنستي الصغيرة" تركتها لأمها وأنا حزين فعلا؛ ثم سألت نفسي أسئلة ليست لها إجابة ..


أسمع بين السيدات أن الرضاعة تترك في جسد الصغير آثار الحالة المزاجية للأم؛ فسألت نفسي هل ستترك شيئا من أخلاقها في طفلتي؛ هل سترث ابنتي سلوك أمها؟


في تلك اللحظة؛ في تلك اللحظة تحديدا أدركت خطيئتي؛ في حق نفسي؛ وحق كل من في حياتي؛ وحق ابنتي المسكينة ..


أخذت أبحث عن كل ما يدين زوجتي ليس لإدانتها؛ فأنا لم أنوي المواجهة؛ أنا أريد أن أعرف لماذا؟ 


لماذا الخيانة؟ 

لماذا يا صديق العمر؟ 

لماذا يا شريكة العمر؟ 


بعد أن تمالكت أعصابي؛ والتزمت الهدوء؛ هاتفت صديقنا المشترك؛ وطلبت منه أن نجدد لقاءنا في المساء.


وافق؛ وتقابلنا في المكان ذاته؛ وكنت في حالة أفضل؛ المرة السابقة كان يبدو على وجهي الشحوب والحزن؛ الآن حزني أنيقا؛ حلقت ذقني؛ ونثرت على ملابسي الكلاسيكة عطرا يليق بالمساءات الخريفية ثم أشعلت سيجارا ووضعتها بين شفتي؛ وجلست ..


نظر لي صديقي الطيب بتعجب؛ تجاهلت نظراته ثم طلبت منه أن يسرد لي تفاصيل القصة ومن أين عرفها؛ ثم عدت بظهري للوراء؛ ووضعت ساق على ساق ..


•عرفت التفاصيل منه 

هو اللي قالي؛ وكان بيحكيلي لأن أنا كنت شاكك فيه من فترة؛ شوفت عربيته ادام كافيه في المهندسين؛ قلت أدخل أسلم وامشي؛ لقيته قاعد مع واحدة أنا أول مرة أشوفها؛ اتحرجت؛ وأنا وهو وهي اتوترنا؛ سلمت ومشيت بس فضلت أسأل نفسي مين دي مين دي ..


قلت أكيد هايكلمني بالليل؛ ويقولي بس للأسف محصلش؛ وبالصدفة في نفس اليوم؛ دخلت فيس بوك انت كنت واحشني ونفسي أكلمك؛ دخلت صفحتك لقيت صورة ليك مع نفس الست اللي كانت قاعدة معاه؛ قلت مستحيل!


كلمته؛ قلت له فهمني مين دي أحسن لك؛ وهددته أقول لمراته لو مقاليش ..


اتقابلنا وحكالي التفاصيل وقالي انه مش حب مش أكتر من علاقة رخيصة هتاخد وقتها وتخلص. 


أسمع وأنا في قلبي حفلة شواء؛ لم أنطق بكلمة إلا عندما توقف دقيقة ليتحسس كلماته؛ طلبت منه أن يكمل حديثه ولا يبالي ..


كان مش مبسوط؛ هي بتطارده؛ وبتلاحقه؛ لحد ما خلاص؛ ثم سكت ..


يرتعش قلبي وصوتي؛ وأقول خلاص ايه!


لم يجيبني 

بدأت أغضب؛ خلاص ايه انطق ..


مش عارف بس هو قالي خلاص ماينفعش أسيبها وتقريبا هاتطلق كنت بوبخه علشانك وقوله ازاي قادر تعمل كدا كان بيقول كلمة واحدة "مش عارف" 


انتهى حديثي معه ورحلت؛ لكن علامات الإستفهام لازالت تدور في رأسي وصدري ..


ذهبت لبيتي الذي أصبح كالسجن؛ وأجريت مكالمة لصديق العمر وزوجتي من بعيد تسمع حديثي الحميم وعلى وجهها تعلو امارات الترقب ..


عايز أشوفك يا صاحبي وخلينا نتقابل تاني في النادي بس المرة دي معانا بنتي؛ مش عايز تتعرف على بنت أخوك ياض ولا ايه ثم ضحكت ..


أغلقت هاتفي ونظرت إليها واقتربت منها وضممت رأسها الصغير بكفوفي؛ كانت أول مرة تسمح لي بأن ألامسها من بعد الولادة ..


ثم قلت 

ماتخافيش هانتطلق مش هاتعيشي معايا غصب عنك؛ ولا غصب عني لأن أنا كمان مش عايزك ..


بس دا نمط ولاد الناس؛ بنعيش بالمعروف وبنتفارق بنفس المعروف؛ طولي بالك معايا شوية؛ وتعالي على نفسك معلش ..


نعم بأدب كنت أذكرها بأصلها وبأصلي؛ وبالمسافة العظيمة التي بيننا والتي تجاوزتها وتغافلت عنها ..


ثم رفعت رأسي عنها ونظرت بعيدا؛ وهي لازالت تنظر لي؛ وأكملت حديثي ..


نسيت أقولك؛ إن الطلاق هايتم في منتهى الهدوء والإحترام؛ بس هاتطلعي من هنا خفيفة خالص؛ يعني زي ما دخلتي البيت دا هاتطلعي منه؛ والبنت معايا مش معاكي ..


كادت أن تنطق وضعت سبابتي على شفتيها وقلت بهدوء ششش دا قرار ..


ثم تركتها وحدها واقفة مكانها وكأنها مسمار؛ وترجلت بهدوء لغرفة الوحدة؛ خلعت ملابسي وكبريائي؛ وألقيت بجسدي المهزوم على السرير؛ وأخذت أفكر ودموعي تعرف طريقها على الوسادة ..


كنت قد نقلت نصف ما أملك وما أرث لملكيتها الخاصة وهي لا تعلم؛ ولها سيارة خاصة بإسمها ولها رصيد في البنك ولها قطع نادرة من الماس والألماظ ..


الآن يجب أن تعود الأشياء لأصحابها؛ بهدوء ودون عراك؛ وفعلا تمت الأمور كلها كما أرغب بعد أن اتفقت مع المحامي الخاص ..


بعدها؛ تم اللقاء مع صديق العمر؛ يجلس أمامي ولا ينظر لي؛ وتجلس زوجتي بجواري تدعي انشغالها بطفلتنا؛ وأنا أنظر لصديقي أدعي قلقي عليه من الشرود؛ بينما كانت زوجته تنظر لي نظرة غير مفهومة! 


إنتهى اللقاء وأنا راضي عن كل ما شعرت به وتأكدت منه؛ وأثق أن الحيرة شقت عقولهم بسوط مسنون ..


القلق كان يشاركنا الطاولة؛ والشك كان يقذف من عيونهم؛ هل علم عن أمرنا شيئا!


تلذذت بحيرتهم؛ لم أحاول تأكيد ما يشعرون به أو إثبات عكسه ..


زوجته كانت ترمقني بنظرات أصابتني بالغيظ والغضب؛ لكني تجاهلت تماما؛ فيكفي ما أنا فيه ..

 

إنتهى اللقاء؛ الذي كان أشبه بالحرب الباردة؛ كان آخر لقاءاتي بصديق العمر؛ صدري كان يفور حينها؛ وددت أن أطبق رقبته؛ لكن تركت الأيام تفعل ..


أفتح الماسنجر لأجد رسالة قصيرة من حساب زوجته "انت السبب في خراب بيتي وبيتك" ..


قرأتها عدة مرات ثم أغلقت الحساب؛ بينما حسابا آخر قد بدأ .. 


أبلغني صديقنا المشترك أن زوجته إكتشفت علاقته بزوجتي بالصدفة؛ وواجهته وطلبت الطلاق؛ لكنه رفض متمسكا بها ..


 لأنها "الحسنة الوحيدة اللي في حياته"


جميعنا نعرف أن صديقي هذا مدمن علاقات نسائية؛ تزوج أكثر من مرة زواجا عرفيا؛ غير العلاقات الغير شرعية؛ ينفق كل ما يملك على شهواته؛ تحملت زوجته ما لم تتحمله زوجة أخرى؛ كانت تغفر من أجل أولادها؛ ومن أجل قصة حب قديمة بدأت بينهما وهم صغار ..


تكللت بالزواج لسنوات طويلة؛ تشاركا ذكريات حلوة ومرة؛ وصنعا معا حياة كاملة؛ يصعب هدمها من أجل نزوة؛ لكن شعورها الأنثوي جعلها تشعر أن هذه المرة ليست مجرد نزوة ولأول مرة تطلب الطلاق .. 


رفض رغبتها؛ وهبط على قدميها ليقبلها ندما؛ فغفرت؛ لكن كانت علاقته مع الأخرى لازالت قائمة ..


الجميع قلقا من صمتي وصبري وعدم إصدار أي ردة فعل ..


صديقي المشترك/زوجة صديقي/ وبالتأكيد أبلغت زوجها وبالتالي هو أبلغ زوجتي؛ هكذا أظن ..


أنا مقتولا ولا أحد يدري؛ أصابني الشك في نفسي ورجولتي وفي فحولتي؛ أياما كنت أقف أمام المرآه وأسأل نفسي هل أنا رجلا بما يكفي لأرضي امرأه؟ 


لم تفلح لي علاقة عاطفية واحدة؛ كنت دائما الطرف الصبور؛ الذي يمنح ويبذل أقصى ما في وسعه من أجل إرضاء محبوبته لكن في ليلة وضحاها تغيب عن أرضي لأسباب غير معروفة؛ لأجدها بعد أيام؛ بعد أيام فعلا؛ على ذمة قلب رجل آخر!


لم تكن الطعنة الأولى في حياتي؛ لكن الطعنة هذه المرة من زوجة منحت لها اسما وبيتا وحياة طيبة؛ منحت لها قلبي كله؛ ومنحت لها كرامة بعد أن كانت مهانة من قبل الجميع ..


الطعنة كانت من صديقي الذي شاركني نصف عمري؛ والنصف الآخر وضعت تفاصيله بين يديه التي كنت أظنها محل أمانه ..


قررنا الطلاق خلال أيام ..

طلبت مني أن أترك لها البنت؛ رفضت تماما ..


لم أشعر بنفسي وأنا أجيبها: أنت مش مؤهلة للتربية؛ مستحيل أسيبهالك؛ هاتشوفيها في أي وقت؛ مستحيل أحرمك أو أحرمها؛ لكن تربية ورعاية وتأسيس مش دورك ..


حاولت أن تجادلني وتضعط علي ..


قلت يبقى هاضطر ألجأ للقضاء عشان أرفع قضية زنا وطبعا انتي عارفة ليه! 


تحول وجهها لوجه تمثال وصمتت ..


قلت لها خلينا نخرج من حياة بعض باحترام عشان بنتي وعشان اسمي .. بس 


تم الطلاق؛ وبعد شهور العدة تزوجت من صديق العمر زواجا رسميا؛ ليؤكد لزوجته؛ أن في هذه العلاقة هناك شيئا فعلا مختلفا؛ كما كانت تظن ..


لازال مصرا على أنها مجرد فترة وستنتهي؛ لازال يخبر الناس أنها ليست إلا متعة؛ يتحدث عنها بالسوء وهي زوجته شرعا وقانونا؛ ثم يذهب ليلا يلقي نفسه بين ذراعيها ..


وهكذا فعلت زوجتي بي بالأمس ..


سردت لك قصتي الحزينة وأنا أبك ..


أنا أدعي التحرر والنسيان؛ لازلت أعاني الحنين وألم الخيانة؛ وأهرب من عيون ابنتي ..


لا أخرج للناس؛ ولا أتواصل كسابق عهدي؛ انتظر كل يوم أن أسمع خبرا يثلج صدري؛ ويرضي كرامتي؛ وقد مللت الانتظار ..


أشعر أنني كبرت مائة عام؛ وأنني أصبحت لا أصلح لأي علاقة؛ رغم رغبتي؛ انقطعت صلاتي لله؛ وصلتي بالآخرين؛ تأخرت صحتي النفسية والجسدية؛ وتلاشت ثقتي في الناس؛ ماذا أفعل؟




ولراسلي المحترم كتبت ..

بمثل التقبل الذي عاملت به محبوبتك في بادئ الأمر؛ عامل نفسك الآن ..

ولا تصغ لكلمات اللوم التي تهمس بها لنفسك؛ ولا تبوخ قلبك؛ ولا تصغر من شأنك أمام مرآتك ..

كنت شريفا في علاقاتك كما يجب؛ وكنت أصيلا؛ وتعاملت بأصول العشرة ..

لا أعدك النسيان؛ النسيان بالمعنى الحرفي للكلمة لا يحدث؛ ولا تحاول أن تطلبه أو تتمناه؛ النسيان حالة غير صحية تماما ..

لكن أتمنى لك التجاوز؛ والتعافي؛ وتقبل نفسك؛ وتقبل الماضي؛ واستمتع بحاضرك؛ واستعد لمستقبلك؛ لأن حياتك لم تنتهي بعد؛ ما حدث مجرد فصل من فصول حياتك؛ ليؤتي ثمرة "ابنتك" ..

انت لازلت هنا في الحياة تتنفس وتتمنى البقاء؛ تحاول أن تقاوم حزنك لكن بهمة هذيلة ..

لا يمكنك التجاوز والتعافي ولازالت عيونك تطل على الماضي لتراقب أحوالهم؛ قص كل الخيوط التي تربطك بهم ..

كما لا يمكنك التجاوز وأنت بعيد عن الله؛ لابد وأن تعود لصلاتك؛ واغزل خيوط عدة مع السماء وأكثر من الطاعات ..

"فأحزان القلوب لا يداويها إلا رب القلوب" 

اطلب منه العون والمدد والجبر؛ قلوبنا بين يديه يقلبها كيفما يشاء؛ واطلب منه أن يمدك بمحبته؛ ف من محبة الله تستطيع أن تحب نفسك من جديد؛ وتحب كل الناس؛ حتى اللذين أذوك يوما؛ تمنعك محبة الله أن تكره أحد مخلوقاته إكراما له ..

وارسم لحياتك Life style
صحي من حيث الأكل والشرب والنوم والعلاقات ومارس رياضة محببة لك ومناسبة لحالتك الصحية وتابع مع استشاري نفسي ..

أنا مجرد كاتبة أجيد الإستماع والنصح؛ لكن ثمة أمور حساسة تحتاج لمتخصص ليتعامل معها برؤيته ..

وأراهنك بتواصلك مع متخصص ستتغير حياتك للأفضل ..

اصنع ذكريات لطيفة مع ابنتك؛ وكن بصحبتها دائما ..

ملاطفة الصغار تفتح مسام الروح التي انسدت بفعل الهموم والأحزان ..

فتخيل عندما يكون الطفل جزء منك؛ ابتسامة منه كفيلة أن توقظ الطفل الذي بداخلك!

كل يوم امنحها أحضانا وقبلات؛ وطبطبات؛ حاول أن تكتشفها من الآن؛ ربما تكتشف معها نفسك؛ وهذا يقين ..

الحياة كتاب كل صفحة قصة جديدة مع أبطال آخرون؛ وبذوات جديدة لنا؛ أنت الآن تشعر أنك كبرت مائة عام؛ وهذا غير صحيح؛ أنت فقط إزدت وعيا وإدراكا؛ وهذا ما تفعله بنا تجارب الحياة؛ خذ العبرة واعتبر وعش بقلب راض وعقل واعي؛ ولا تحزن ..

غدا ليس بعيد ..
ستأتيك الحياة بقصة جديدة وسعيدة؛ لكن لابد وأن تستعد لها من الآن ..


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٣٨

بعد منتصف الليل، أنت وحدك تماماً تشاركك السهرة دميتك، وكتابك الذي تحاول أن تقرأ فيه، فتتلاشى السطور وتذوب حبكة الرواية منك، تحاول أن تفر من تلك الأفكار التي لا تأتيك إلا في تلك الساعة! الجميع في سبات عميق، وأنت تحاول أن تقنع نفسك أنك بخير، فتضم دميتك الصغيرة إلى صدرك وتدعي النوم .. بالأمس، الأمس البعيد، عندما كنت صغيراً كان هذا يهون عليك كثيراً عندما كنت تظن أن دميتك تسمع وترى وتشعر وتشاركك قراراتك الهامة، فتشعر أنك لست وحيداً حتى لو لم يكن لك من الأصدقاء والأخوة الكثر. أما الآن، أنت كبير، كبير أن تعترف بأحزانك للأصدقاء، وأن تذهب لفراشك مبكراً - وأن تضم دميتك إلى صدرك، كبير لدرجة مثيرة للشفقة، حتى بعد أن رحل الجميع عنك، رفضت الدمية الجماد أن يبلى قماشها، وأن تلفظ حشوها، فتتلاشى عنك مثل الجميع، واختارت أن تبقى بجوارك، تنتظرك أن تخلع عنك رداء الكبار، وتضمها إلى صدرك ببراءتك القديمة ربما تنام سعيداً .. ٢٢ أكتوبر ٢٠٢١ | بورسعيد