التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ١٢

أتفادى نزلات البرد، أحاول أن أثقل من ملابسي، وأن أشعل مدفئتي طوال الوقت، أن أتدثر ليلا بوشاحا أحبه، محشو بالصوف والذكريات، آلفه حول رقبتي المصابة بألم لا أعرف سببه، ثم أغمض عيناي وأتخيل أنني معافة من البرد والحنين ..

مناعتي هشة، ودموعي تنسال ببساطة، وشفائي عزيز، وكل الأدوية أصبحت لا تجدي نفعاً.


أسقط حبات الڤيتامين في كأس من الماء، وأنتظر أن يذوب في قعر الكأس، أراقبه وهو يضمر ثم يختفي، ثم يتوحد لونه مع الماء فتصير ماء برتقالية اللون ..


أتخيل لو أن هناك أقراص للتشافي من نزلات الحنين التي تصيب القلب على غفلة منه، أقراص لونها مبهجا تذوب في قعر كأس شفاف، ثم يتناغم الماء مع لونه ليتحول إلى لون يجذب الفتايات ذوات القلب الكسير، فلا تخشين مذاقه، وتتركن أنفسهن للتجربة ..


تنتظمن على تعاطي أقراص النسيان، مع الإلتزام بالتعليمات؛ أن لا تشرعن نوافذ الماضي على مصرعيها، فخلفها عاصفة ربما تميت القلب، ويتركن الأماكن التي تركن فيها ذكرى لازالت تصدع في أركانها، ك صوت الرعد ..

لو أن التعافي معبئ في أقراص، لجبرت قلوب مسكينة لم تعرف للشفاء سبيلا، لكن التعافي والنسيان لمن استطاع القفز من قلب إلى أخر، لمن يملك الهجر والتخلي وكأنها لعبته المفضلة ..


أعود إلى سريري بعد أن أصبح باردا، أتمدد وجسدي يرتعش، وقلبي يرتعش، أذكر نفسي أن الليلة هي أول ليالي البرد والحنين، ولابد أن أصبر، وغدا ربما أصبح أفضل، ربما ..



بورسعيد | ٩ يناير ٢٠٢٢




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٨

بالأمس قررت الكتابة عن شيءٍ ما، فـ جلستُ على كرسي خشبيّ مائل الظهر، ورفعتُ ساقاي لأعلى، ووضعت ساقٍ على أُخرى ثم أسندتهما على الحائط، واَنكببتُ على الورق، لكن بئسَ الكتابة التي تأتي عن قرار! الكتابة الصادقة كـ الولادة تأتي على غير موعد، هكذا تحدث، بعد سيلان من الماء وأشواطٍ من الألم ليعلن عن حدوث حياة تنبثقُ من رحم الآن.  بعد ساعة من التهيئةِ للكتابة لم أكتب! لكنني بكيت. حسنًا، سأعتبر دموعي حروفًا خَجِلة، تخرج على اِستحياء تود أن تطير وأن لا يبقى لها أثر، حروف لا ترغب في الخلود على الورق، ترفض أن يقرأها أحد، أن يحنو عليها أحد، أن يلومها أحد، وأن يجعل منها حدوتة!  حروف مبتورة ترفض أن تضاجعها حروف أخرى لتصبح كلمة، هي ترغب في أن تتبخر وكأنها لم تحدث!  ظلت تهبط دموعي على الورق، حتى هدَأ قلبي لكن ثمة دمعةٍ واحدة ظلت متحجرة في اِحدى زوايا عيني، ترفض الخروج! كأنها طفلة تخاف الخروج للعالم، أدقق النظر في المرأة لأمسح تلك الماسة المتحجرة، ولكنها تبقى مكانها ثابتة!  كان عليّ أن أفهم أن تلكَ الدمعة تحديدًا ليست حرفًا، بل كلمة كاملة، إن خرجت صرخت بالحكاية، وليست كل الحكايات تصلح ل...

حديث ذات ٤٧

في الماضي كنت فتاة تحب التفاصيل، تبحث عنها وتدقق النظر فيها ثم أسكب فيها كل ما أشعر، وأذيب مشاعري فيها بملعقة نارية لأتحول مع الوقت إلى كائن رخامي بلا إحساس، ومن ثم تتحول التفاصيل إلى لعنة على شكل فأس يشق رأسي نصفين ويتحول قلبي إلى فتات.  نضجت الفتاة، وأصبحت امرأة تعبث بالتفاصيل وكأنها خيوط تريكو ثم تتركها جانبًا .. ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤ م|بورسعيد