التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حديث ذات ١٥

بنها/كفر سعد/ المدينة الجامعية


وليلة لن أنساها ..

كانت ليلة شتوية، أظنها كانت في ديسمبر، كنت أجلس وحدي في غرفة واسعة، كلما تذكرتها شعرت وكأني كنت في بطن حوت.


الغرفة كانت أغلب الوقت غير مرتبة، تليق بفتايات تغربن من أجل الدراسة، طوال اليوم يركضن، من أجل اللحاق بالمواصلات، بالمحاضرات، وباب المدينة الجامعية قبل أن يغلق في مواعيده الرسمية .. 


حتى في هذه الليلة ..

الكل انصرف عن الغرفة بسعادة، كانت ضحكاتهن تسبقهن للبوابة الرئيسية، كنت أراقبهن من نافذة الحجرة التي تطل على أرض خضراء يزرع فيها التوت الأحمر .. ركبن الأتوبيس الذي كان ينتظرهن بالخارج ليحملهن إلى مدينة الملاهي، تعجبن مني عندما رفضت الذهاب معهن .. 


كنت أحدث نفسي ..

متى ينصرفن عني ويتركوني وحدي في بطن الحوت ..

لم تكن يوما الغرفة مظلمة، ولا هادئة، كانت تعج بأسرارنا، وضحكاتنا، وحكايات أول العمر وأجمله. 

لكن أنا والهدوء أختان توأماتان، إذا انصرفت واحدة عن الأخرى، تشتتت ..


لم أشكو وحدة قط، بل كانت ولازالت ملاذي وأماني ومأمني ..


وقفت أشاهد الغروب، أراقب ألوان الطبيعة وهي تتبدل في دقائق، كانت هواية مفضلة، الآن لا أعلم لماذا تخيفيني!


قطع شرودي صوت موظف الأمن!

(نهال بورسعيد، صالة ١٠٠ جيالك زيارة!)


أنظر لعقارب الساعة في ذهول!

الساعة ١٢ صباحا؛ مين هايجي لي دلوقت!


ركضت إلى البوابة، دون أن أشعر أنني لازالت بالبيچاما، ومكشوفة الشعر، فقط رفعته إلى أعلى، وركضت نحو الدرج، القلق دفعني دون تفكير، الإخطبوط الذي يكبلني من كل جانب دائما، ويجعلني أموت وأحيا في دقائق، انه الخوف!


حتى وجدته أمامي ..

بابا ..

نظر لي بأسف، علم ما الذي حدث بقلبي وعقلي، أخذني بين ذراعه، وقال وحشتيني ..

انصهر القلق، وتلاشى الخوف عني لأن بابا بجواري.

وضحكت، عندما سمعت ضحكات البنات تأتي من خلف البوابة .. 


تذكرت ألوان الطبيعة، وهي تتبدل في دقائق؛ ثم ابتسمت .. 



بورسعيد| ٣٠ يناير ٢٠٢٠ م 

   


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

الحب ٣

 لم أجد فِعلا رقيقا يليق بالمحبين بعد تبادل كلمات الغزل وأشعار الحب واللوم والإشتياق؛ مثل الخبيز وصنع الحلوى .. حالة عذبة رغم التوتر وربكة التجهيز تشبه خجل اللقاء الأول بين قلبين جمعهما الحب والرغبة؛ وكان الفضول ثالثهما يقلب كل منهما في مزاچ الآخر بمعلقه خشبية على نار هادئة ليكتشف كل حبيب مذاق وذوق محبوبه .. أحدهم يفلح ويصنع شطائر منثورة بالمكسرات محشوه بالعسل؛ والآخر يجتهد ويقدمها خالية من الحشو مغلفة بطبقة ذهبية من لهيب الإنتظار؛ وكلاهما في رواق العشق تحفهم رائحة الإشتياق وآثار الشغب والإكتشاف ..

حديث ذات ٣١

أنا أشبه البحر، يهدأ ويثور وحده، يحمل أسراره في قاعه المظلم، يتمنى الكثير لو كان يجرؤ على الغوص إلى قلبه، ليكشف ما تحت زرقته، لكنهم يخشون من الغرق .. يكتفون بالوقوف بعيداً؛ ليسترقوا النظر إليه، ويحاولون فك طلاسم أمواجه، ودائماً دائماً لن يفلح أحد. يدركون أن قلبه واسع وبلا أرض، يحمل الكثير من الأسرار والعوالم، والأصداف واللؤلؤات الحية، تموت فقط إن أمسك بها أحدهم .. يد البشر تجيد الإفلات بعد انتهاء الشغف بالأشياء وربما الأشخاص .. يدرك البحر أن لؤلؤاته تموت إن تركته وخرجت للنور، ورغم حزنه لن يبخل! البحر يطفئ غضب القلب، لكن لا أحد يعلم ما في قلبه، الجميع يأتيه من كل فچ عميق، ليلق بخيباتهم وانكسارتهم، ويرحلون بهدوء .. ويتركون ضجيجهم في قلب البحر، ويبدأ ضجيج أخر، لكن في قلب البحر المسكين .. يكتفي البحر بأن يمنح العالم مزاجاً رائعاً ولونا بهيجا، ويخرج من خير قلبه لمن حوله، ويعود وحيداً ..  تهدأ أمواجه بالليل، عندما تبتعد الأقدام بعيداً عنه، وترسل النجوم قبلاتها الناعمة له، فيسكن، ويخلع عنه رداؤه الأزرق، ويبدله بأسود حزين، يليق بقلب لن يفهمه أحد على سطح الأرض .. بورسعيد | سبتمبر ٢٠٢١