المدهش في الرحلة؛ أنني لم أتغير مرة واحدة؛ كنت مع كل محطة أتناول الأمور بشكلٍ مختلف؛ ربما كنت أسخر منها بالأمس؛ يتغير ذوقي في الملابس/ في الطعام/ في أسلوب الحياة مع كل فترة عمرية؛ لكن الثابت أنني كنت أبحث عن الملاذ!
في فترة العشرينات كنت أؤمن بأن الملاذ في أشخاص عن سواهم؛ في رجل عن غيره؛ في صديقة عن أخرى؛ إن نظروا لي نظرة رضا؛ رضيت عن نفسي؛ وإن لم يحدث كرهت ذاتي ولعنتها!
تكالبت علي اللعنات كتعويذات سحر أسود تمتمت بها امرأة شمطاء سوداء الكف والقلب؛ كارهه للحياة والأشخاص؛ وسكبتها فوق رأس فتاة عشرينية؛ وأحرقت جسدها وسنوات طوال ..
أخذت منى رحلة التعافي سنوات طويلة؛ لم يكن التعافي من داء جسدي فحسب؛ بل هناك داء يرث في الجسد والقلب والروح والعقل علّاتٍ مستعصية؛ داء الخذلان!
الخذلان جعلني مثقلة الحركة فترة؛ (لا لم أقصد المعنى المجازي) أنا أقصد المعنى الحرفي للكلمة؛ كرهت الحركة دون عكازي؛ كان عكازي يتمثل في (وهم اسمه الحب الأول) هكذا الناس يطلقون عليه؛ (وهم الحب الأول) لكن من حسن حظي واتساع رزقي؛ كان حبي الأول حقيقتي الوحيدة؛ ونسختي الأجمل والأقرب؛ أقولها إمتنانا للحياة؛ وليس تحسرا وحزناً؛ وكما كان حبا من الدرجة الأولى؛ كان خذلاني مماثلاً له.
أخرج من جسدي والقِ نظرة من بعيد؛ كيف لفتاة تتحمل معركة الحب والترك في ذلك العمر وتقف من جديد تمنح الود والصفح للمارة دون حظر؛ كيف - كيف؟!
كانت بهجتي ومعركتي الأولى؛ ودرسي الأول؛ لطالما كان الأب والأم أول من يقرص الأذن لتلقين درس العمر؛ أما أنا فكانت القرصة في قلبي؛ كنت أضعف من أن أتحمل وأتعلم وأعي؛ أن كلما اقتربت المسافة كلما كانت الضربة في مقتل.
تمر سنوات التعافي على صدري بثقل قدم فيلة؛ من خلالها كانت تأتيني ضربات أخرى في مقتلي؛ ودائما كان في قلبي؛ أتذكر مقولة السيدة أسماء ذات النطاقين عندما قالت: "يا بُني لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله".
فكانت تميمتي" امضِ على بَصيرَتِك واستعيني بالله" والله سيصلح كل شيء؛ والله لم يخذلني يوماً/ولا ساعة/ ولا دقيقة واحدة ..
رمم قلبي مرات ومرات؛ وأعادني سيرتي الأولى؛ كلما أفسدت صورتي أصلحها؛ كلما خاصمت ذاتي؛ عقد معاهدة صلح بيننا؛ كلما قدمت جسدي قربانا للموت؛ نجاني!
اليوم أكتب عن جرحي الأول دامعة العين؛ أتذكر بالأمس كنت لا أطيق الحديث عنه أو الكتابة؛ مدعية النسيان ..
اليوم أنا نسيت؛ لكنني متعاطفة مع النسخة العشرينية التي بكت خلف الجدران؛ لكن بين الجموع هي أول من يلق النكات ..
٣ مارس ٢٠٠٣
١ يناير ٢٠٢٣
للحديث بقية ..
تعليقات