التخطي إلى المحتوى الرئيسي

طعام صلاة حب شفاء ٢


المدهش في الرحلة؛ أنني لم أتغير مرة واحدة؛ كنت مع كل محطة أتناول الأمور بشكلٍ مختلف؛ ربما كنت أسخر منها بالأمس؛ يتغير ذوقي في الملابس/ في الطعام/ في أسلوب الحياة مع كل فترة عمرية؛ لكن الثابت أنني كنت أبحث عن الملاذ! 


في فترة العشرينات كنت أؤمن بأن الملاذ في أشخاص عن سواهم؛ في رجل عن غيره؛ في صديقة عن أخرى؛ إن نظروا لي نظرة رضا؛ رضيت عن نفسي؛ وإن لم يحدث كرهت ذاتي ولعنتها!


تكالبت علي اللعنات كتعويذات سحر أسود تمتمت بها امرأة شمطاء سوداء الكف والقلب؛ كارهه للحياة والأشخاص؛ وسكبتها فوق رأس فتاة عشرينية؛ وأحرقت جسدها وسنوات طوال ..


أخذت منى رحلة التعافي سنوات طويلة؛ لم يكن التعافي من داء جسدي فحسب؛ بل هناك داء يرث في الجسد والقلب والروح والعقل علّاتٍ مستعصية؛ داء الخذلان!


الخذلان جعلني مثقلة الحركة فترة؛ (لا لم أقصد المعنى المجازي) أنا أقصد المعنى الحرفي للكلمة؛ كرهت الحركة دون عكازي؛ كان عكازي يتمثل في (وهم اسمه الحب الأول) هكذا الناس يطلقون عليه؛ (وهم الحب الأول) لكن من حسن حظي واتساع رزقي؛ كان حبي الأول حقيقتي الوحيدة؛ ونسختي الأجمل والأقرب؛ أقولها إمتنانا للحياة؛ وليس تحسرا وحزناً؛ وكما كان حبا من الدرجة الأولى؛ كان خذلاني مماثلاً له. 


أخرج من جسدي والقِ نظرة من بعيد؛ كيف لفتاة تتحمل معركة الحب والترك في ذلك العمر وتقف من جديد تمنح الود والصفح للمارة دون حظر؛ كيف - كيف؟!


كانت بهجتي ومعركتي الأولى؛ ودرسي الأول؛ لطالما كان الأب والأم أول من يقرص الأذن لتلقين درس العمر؛ أما أنا فكانت القرصة في قلبي؛ كنت أضعف من أن أتحمل وأتعلم وأعي؛ أن كلما اقتربت المسافة كلما كانت الضربة في مقتل. 


 


تمر سنوات التعافي على صدري بثقل قدم فيلة؛ من خلالها كانت تأتيني ضربات أخرى في مقتلي؛ ودائما كان في قلبي؛ أتذكر مقولة السيدة أسماء ذات النطاقين عندما قالت: "يا بُني لا يَضُرُّ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله".


فكانت تميمتي" امضِ على بَصيرَتِك واستعيني بالله" والله سيصلح كل شيء؛ والله لم يخذلني يوماً/ولا ساعة/ ولا دقيقة واحدة ..


رمم قلبي مرات ومرات؛ وأعادني سيرتي الأولى؛ كلما أفسدت صورتي أصلحها؛ كلما خاصمت ذاتي؛ عقد معاهدة صلح بيننا؛ كلما قدمت جسدي قربانا للموت؛ نجاني!


اليوم أكتب عن جرحي الأول دامعة العين؛ أتذكر بالأمس كنت لا أطيق الحديث عنه أو الكتابة؛ مدعية النسيان ..


اليوم أنا نسيت؛ لكنني متعاطفة مع النسخة العشرينية التي بكت خلف الجدران؛ لكن بين الجموع هي أول من يلق النكات ..  


٣ مارس ٢٠٠٣ 

١ يناير ٢٠٢٣

للحديث بقية ..




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حديث ذات ٤٦

الوقت، له أفاعيل عجيبة يرفع ويخفض مقامات الناس في قلبك، ثم يرفع قيمتك على الجميع عندما تدرك قيمة نفسك وتثقلها بما يليق بها. يمكنه أن يساعدك على النسيان، وعلى التشافي، وعلى بناء نفسك من جديد، يمكنه أن يساعدك أن تخرج من الدوائر السامة لكن بهدوء، الوقت كالرجل الأنيق كلاسيكي الطبع يتعامل مع الأمور بترو وحكمة وصبر بالغ، ينظر لك بطرف عيونه وبين شفتيه سيجار، تأكله شظاياه ببطء فتظن أنه ليس مهتما، لكنه الوقت يا صديقي ليس عليه أن يهتم لأمرك، هو يقرص أذنك مرة واحدة ثم بعدها تدرك قيمته. لذا لا تتقبل من أحد معايدة في الصباح الثاني ليوم عيد ميلادك، ولا تتقبل العزاء بعد ثلاث، وليس فرضا عليك بعد مرورك برحلة العناء والتعب ثم التشافي أن تفتح ذراعيك لمن لم يمسح على رأسك وأنت مريضاً! لكن من يهديك جزء من وقته، هو يهديك جزء من عمره، بادله الوقت والعمر والمشاعر، هكذا هي الحياة كؤوس متبادلة ..          بورسعيد | ٢٢ أغسطس ٢٠٢٤ م

حديث ذات ٤٣

كانت چدتي تجيد الخبز والطبخ والحياكة واضحاك قلبي؛ أما أمي فلها فنون أخرى؛ وحدها تملك تميمة حب وشفاء؛ تمسح بها عن جسدي ما علق به من الآلام!  كلما كبرت اشتقت لرحم أمي؛ وكفوف جدتي؛ وفستاني الوردي وألعابي؛ أظن بنفسي بأنني أستطيع مواكبة العالم؛ لكنني للحق؛ لا أريد تلك الحروب أو ربما لا أملك القدرة من الأساس! أنا في الأساس انسان يميل للحياة السهلة والطقوس اللطيفة؛ لماذا تعاركني الحياة إذن؟ أنا أريد رحم أمي؛ حيث لا يراني أحد؛ يحاوطني ماء الحياة؛ أشارك أمي أنفاسها وطعامها ودقات قلبها؛ ثم أخرج لدار جدتي لتضمني بكفوفها؛ ثم لا أكبر أبداً .. ولا يرحل أحد منا؛ ونظل معا إلى الأبد. بورسعيد | ٢٨ يناير ٢٠٢٤

حديث ذات ٣٧

تسألني سيدة: لماذا تفضلين المكوث ببيتك طوال أيام الأسبوع؛ بينما الخروج لمكان جديد أو السفر؛ أو الترجل في حديقة واسعة؛ أو حتى الجلوس في مقهى بسيط؛ أفضل؛ ووسيلة من وسائل التجديد والتغيير؛ وضخ دماء جديدة لحياتك الراكدة!  أجبت: في بيتي أنا حرة؛ كل الأماكن البعيدة والقريبة رغم جمالها واختلافها هي للجميع؛ الجميع يشارك الجميع لحظاته الخاصة؛ يمكن لأحدهم أن يرمقني بفضول وأنا في لحظة بكاء؛ أو تتودد احداهن لي لمجرد الفضفضة؛ بينما ذاتي في لحظة فضفضة غير مسموعة .. سقف بيتي يغطيني؛ أما في الخارج أنا عارية؛ ولو غطى جسدي كله سواد الغرابيب .. ذات مساء؛ كنت جالسة وحدي في احدى المقاهي الراقية البعيدة؛ خلف شاشة اللاب توب؛ غارقة في كتابة نص عنيد؛ وعيوني ترفض البكاء؛ مرت ساعة وأنا في حالة توسل للحروف أن تتصالح وتتضاجع على سطور الصفحة؛ حتى ضجرت .. نظرت للجرسون أن يقترب؛ لآسد فاتورة ساعة من العمر كانت ثقيلة وجافة؛ شربت على نخبها قهوة مره .. اقترب خطوتين؛ وبصوت خفيض  الأستاذ دفع يا فندم ثم أشار برأسه ليساره  أنظر لأجده شخصا غريبا عني لا أعرفه؛ بخطوات وقورة؛ اقترب مني ومد يده وعرف نفسه .. نظرت ليده الممدودة نحو